بات الاستماع الى قادة حركة حماس ومؤتمراتهم الصحافية وتسجيلاتهم التلفزيونية مثيراً للحيرة والقلق في آن معاً. ثمة مصطلحات سياسية ليس لها وجود في أي معجم، يحتاج تفكيكها الى جهد استثنائي، ويتطلب فهمها الكثير من العناء.. مع أن المعركة واضحة، وكذلك العدو لا لبس فيه.
اللغة الدينية التي يستخدمها قادة حماس منذ بدء الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ ٢٧ كانون الاول الماضي، تفقد يوماً بعد يوم غرضها التعبوي، اذا كان هذا هو المقصود بالفعل، وتتحول الى مشكلة لدى الجمهور الذي يستعيد في هذه المرحلة نصوصه التأسيسية، لكنه يلح في المقابل على المزيد من الوضوح والدقة والتفصيل في شرح الوقائع، وفي تحديد الأهداف، وفي رسم معالم الطريق.
في جميع إطلالاتهم الإعلامية الأخيرة، ترك قادة حماس الانطباع الفوري بأنهم شيوخ يلقون خطب الجمعة في المساجد، وليسوا قادة سياسيين كتبوا رسائلهم بعناية فائقة، واختاروا المفردات والكلمات بهدوء وتمعن، بل حددوا سلفاً شكل ظهورهم على الشاشات، وتعابير وجوههم وعيونهم.. وأدركوا مسبقا أن الإعلام سلاح حاسم ومؤثر جدا في جمهورهم ، وفي العدو ايضا.
حتى الآن، كانت جميع الخطابات التي وجهها قادة حماس، مجرد رسائل إرشاد ووعظ غلبت عليها الآيات القرآنية، التي لم يتم ايضا اختيارها بدقة لتخدم الوظيفة التعبوية، وسادتها الاستعانة بالسير والأقوال والحكم الإسلامية، التي كانت تتردد في المراحل التاريخية الصعبة، والتي كانت تسبق عادة الهزائم أو النكسات الكبرى التي مني بها المسلمون منذ انطلاق الدعوة.. والتي لا يجوز استخدامها أبدا في ذروة المواجهة مع العدو، لا سيما منها تلك التي تختم بالتسليم بقضاء الله وقدره. فهذا جزء من العقيدة، لكنه ليس من أدوات المعركة وأسلحتها، ولا ايضا مطلبا ملحا من مطالب الجمهور الذي يريد أن يعرف بلغة مباشرة وبسيطة الأوضاع على الجبهتين السياسية والعسكرية.
قد تكون تلك الخطب الدينية نوعاً من الغموض البناء والمتعمد، لتفادي النقاش الفعلي حول الحرب ومسؤولياتها ونتائجها وشروط وقفها، لكنها صارت تعبيراً عن جو الإحباط الذي يسود شيئا فشيئا، ويوحي بأن حركة حماس بالتحديد مرتبكة ومشوشة إزاء الضربة الإسرائيلية التي لا شك بأنها قوية، أكثر مما يوحي بأنها متماسكة وموحدة، كما هي بالفعل.. بعكس بقية حلفائها الإسلاميين منهم والعلمانيين، الذين يخوضون المعركة العسكرية والإعلامية بروية وإتقان، لكثرة ما خاضوا مثلها في ما مضى، ويقولون كلاما سياسيا دقيقا، لا يمكن لأحد أن يخطئه، صديقا كان ام عدواً، ويصدرون بيانات لا يمكن لأحد أن يجادل أو يشكك في مضمونها.
ليس المطلوب التخلي عن تلك اللغة، ولا طبعا الانقطاع عن تلك الثقافة، بل فقط الإدراك أن الحرب الحالية ليست موقعة إسلامية جديدة، بل معركة وطنية وإنسانية كبرى.. والانتباه الى أن العدو الإسرائيلي هو ايضا، يشهر إيمانه ويمارسه على خطوط الجبهات، ولا يعتمد على مشيئة الله وحده!