ليست هذه المرة الأولى التي تتنطح فيها ومن خلالها الولايات المتحدة الأميركية لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كان ذلك منذ مبادرة الرئيس بوش الأب يوم 7 آذار 1991، مستغلًا نتائج الحرب الباردة واحتلال العراق، وتوظيفهما نحو عقد مؤتمر مدريد برعاية مشتركة أميركية سوفييتية في 30/10/1991، وتواصلت الجهود الأميركية في عهد كلينتون في تموز 2000 الذي جمع الرئيس الراحل ياسر عرفات ويهود باراك في كامب ديفيد، والرئيس بوش الابن في أنابوليس عام 2007 وجمعه الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع ايهود أولمرت، وجهود أوباما خلال ولايته الأولى 2009 – 2012 مع السيناتور ميتشيل والثانية 2013 حتى نهاية 2016 مع الوزير جون كيري، وجميعها لم تحقق ما هو مطلوب منها خدمة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وقد فشلت الإدارات الأميركية المتعاقبة في مساعيها لسببين : أولهما لأن العدو الإسرائيلي المحتل مستغلًا تفوقه لا يتطلع إلى أي تسوية واقعية ولا أقول عادلة تضمن للشعب الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه، وثانيهما لأن الطرف الفلسطيني على ضعفه لم يُذعن للشروط المجحفة التي لا توفر له الحد الأدنى من الكرامة الوطنية واستعادة حقوق شعبه.
الرئيس ترامب الذي يقود ائتلافا ثلاثيًا وفر له فرصة ليكون سيد البيت الابيض الأبيض، يقع أسيرًا للثنائي الأول الجناح المسيحي الإنجيلي المتصهين الذي يمثله نائب الرئيس بنس والسفيرة نيكي هيلي، والثاني الجناح اليهودي الذي يمثله الثالوث المستشار كوشنير والمبعوث جرينبلات والسفير فريدمان، الذين يتبنون رؤية الفريق اليميني المتطرف والحاكم لدى المستعمرة الإسرائيلية.
الرئيس ترامب وفريقه يتبنون الرؤية الإسرائيلية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المتمثل بإقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة، ويُلحق به مواطني الضفة الفلسطينية، وليس أرض الضفة الفلسطينية المتقطع منها ثلاثة مواقع لصالح التوسع الإسرائيلي وهي: القدس والمستوطنات والغور، أي أن الدولة تُقام في إقليم غزة من دون إقليم الضفة الفلسطينية الذي يحتفظ مواطنوها على الهوية الفلسطينية ويتبعون دولتهم في غزة، وتبقى إقامتهم بالضفة ضمن إدارات ذاتية في المدن الفلسطينية، وتجري فيها انتخابات بلدية وبرلمانية بدون سيادة وهذا يحقق للإسرائيليين ثلاثة شروط هي : 1- احتفاظ الفلسطينيين بهويتهم الوطنية، 2- تخلص الإسرائيليين من العامل الديمغرافي لأنهم يريدون ضم الأرض ولا يريدون ضم البشر، 3- تتم تلبية شروط المجتمع الدولي بحل الدولتين ولكن من دون حدود الرابع من حزيران 1967، وبذلك يكون ترامب قد شطب العناوين الأربع التي أفشلت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تحت الرعاية الأميركية لدى الإدارات الأميركية الأربعة المتعاقبة إدارات بوش الأب وكلينتون وبوش الإبن وأوباما، والقضايا الجوهرية الأربع هي : القدس واللاجئون والمستوطنات والحدود، ولذلك لا يمكن الرهان على نجاح إدارة ترامب ومبادرته المعنونة بصفقة القرن، بعد أن شطب العناوين الأربعة وقضاياها سلفًا عن طاولة المفاوضات، ولذلك يمكن الاستخلاص أن القيادة الفلسطينية سبق لها ورفضت تسويات عُرضت عليها أفضل بكثير مما يُقدمه ترامب، فكيف يمكن للقيادة الفلسطينية أن تقبل أقل ما عرضه كلينتون وبوش وأوباما.
صفقة ترامب وإدارته ستفشل كما فشلت الإدارات التي سبقته طالما أن ما هو مطروح وما هو مُقدم لا يُلبي حقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم بالعودة وفق قرار 194، وبالاستقلال والدولة وفق قرار التقسيم 181، وبالانسحاب وفق قرار الانسحاب وعدم الضم 242، وحل الدولتين 1397.
الموقف الأردني ويبادله الموقف المصري لن يقدما على ما هو مرفوض فلسطينيًا، ولذلك سيبقى الصراع قائمًا ومتداولًا كما كان وسيبقى وإن كانت حدته بدت صعبة فاقعة بسبب الانقسام الفلسطيني والحروب البينية العربية التي دمرت ليبيا وسوريا والعراق واليمن واستنزفت مصر وبددت أموال الخليجيين، تتطلب حكمة في إدارة الصراع في ظل الاندفاع الأميركي مع حكومة نتنياهو العنصرية الاستعمارية المتطرفة.
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.