القبلية الجاهلية ما زالت مَغروزة في الوعي الجماعي العربي حتى النخاع، والطائفية ما زالت مُنغمسة في صَبغاتنا الوراثية العربية والهوَس الديني ما زال حديث الساعة نصوم ونصلي ونركع ونلف وندور ويقتل بعضنا بعضا ونغتصب وجودنا وندمر حضاراتنا بفؤوسنا ونغتال عزتنا وأخلاقنا وكرامتنا واسباب بقائنا كلها . نعم نحن قوم في موروثاتنا القتل والغزو والسطو وتدمير الذات . خُلقنا من وهم سراب في صحراء العدم . بأيدينا نسعى الى دمارنا الذاتي الذي قلما رافق الشعوب الاخرى في التاريخ المنظور والمستور.
كل هذه الحقائق تأكل وتهدم في جسد الأمة الذاوي من تطوان الى بغداد ومن اليمن السعيد الذي لم يعد سعيدًا بهمة الوهابيين اللوثان التكفيري الملعون الرابض في جزيرة العرب الى سوريا و لبنان . الدين وَحَّد الأمة في فجر الاسلام والغى العصبية القبلية التي تطورت فيما بعد وأخذت شكل كيان سياسي اجتماعي أولي في تاريخ العرب بعد مقتل الامام علي كرم الله وجهه وتأسيس الدولة الأموية في الشام على يد معاوية بن أبي سفيان. هذا الكيان السياسي لم نُطورهُ ولم يُطور ذاته .تَطوره بحاجة الى تَطوير نصوص تاريخنا وعقائدنا وربما اعادة كتابة هذا التاريخ .
علينا ان نحل ونترك طلاسم تلك التابوهات التي يفرضها الاسلام السياسي ونحل معادلة مجاهيلنا كلها. لم نكسر قيدا بعد ولم نتحرر من سلاسل فكرنا ومن جموده العقائدي الرهيب الذي يحاصر فكرنا ويجعلنا متخلفين اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وحتى رياضيا الأمر الذي نعيشه بألم في هذه الساعات على ملاعب " المونديال " في روسيا . علينا أن نركع أقل ونستعد أكثر لمواجهة العصر . ما زلنا خارج التاريخ المعاصر المتقدم نزحف زحفا أمام شعوب العالم المُحلقة في السياسة و في العلم والتربية والصناعة والسياسة والرياضة وحتى في العسكرة.
شعوبنا لم تمر في المراحل السياسية التي مرت بها الشعوب الأوربية منذ القرون الوسطى الى الآن. لم تمر بالثورة الصناعية ولا التقنية ولا بالثورة الاجتماعية السياسية الكاملة التي غيرت وجهة الشعوب ومسيرة الحضارات .
انتقلنا معظمنا من مجتمع فلاحي بدوي اقطاع الى العصور الحديثة التي ميز مَسيرتها الاستعمار الغربي الاستيطاني كما في فلسطين وفي الجزائر وفي جنوب أفريقيا مثلا، ومنه الى نظام العولمة الرأسمالية والنمط الاقتصادي والاجتماعي الحالي الذي يحاول فرضه علينا الغرب المتوحش حتى بقوة السلاح . مشكلة تعريف انتمائنا هي المشكلة الرئيسية التي تعاني منها شعوبنا ومجتمعاتنا وتتركنا مجتمعات مُخترقة حتى العظام هشة قابلة للكسر والاختراق من الأعداء المتربصين لنا هنا وهناك.
ما يحدث في عالمنا العربي في هذه اللحظات العصيبة هو شهادة حيّة ومُرعبة عما نقول .
كتب ميخائيل نعيمة قبل قرن من الزمن يقول " قبل أن تحرروا وتنقو العالم حَرروا ونَقوا أنفسكم " .
دعونا نُفكر بهذا القول الحكيم الآن هل نفوسنا حُرة ونقية على المستوى الشخصي؟. هل يستطيع كل واحد منا أن يُعرف بطلاقة انتمائه قبل أن يفقد بوصلته ؟ . انتماؤنا الأول الى الانسانية لكوننا جزءًا منها و لنا الباع الطويلة في خلق حضارتها وشرائعها وقوانينها . انتماؤنا الثاني الى الأمة العربية الكبيرة من المحيط الى الخليج بناسها وثرواتها . انتمائنا الثالث الى شعبنا الفلسطيني لأننا بطبيعة الحال جزء منه. انتماؤنا الرابع الى بلدنا مدينتنا وقريتنا التي وُلدنا بها نعيش بها ونعرف عن ناسها وهوائها وشوارعها. الانتماء الى القبيلة والطائفة والحمولة والعائلة عفى عليه الزمن وولى ولم يعد يصلح الى حقيقة وجودية بشرية مُختلفة الآن ولا تصلح لقوانين وأجندة ومعالم الأمم المتحضرة القوية والمسيطرة.