فجعتُ كما فجع الاخرون بنبأ وفاة فضيلة الشيخ أبو علي مهنا فرج من قرية يانوح الجليلية.
توفي الشيخ عن عمر يناهز الثامنة والتسعين عاما تاركا وراءه فراغا دينيا وقوميا سنبكي عليه طويلا.
الشيخ أبو علي مهنا فرج كان بارزا ومتميزا في دين التوحيد فقيها ملمًا بجوانبه وخفاياه، كان الشيخ بطلعته البهية ولحيته البيضاء ونظراته الواثقة والحادة وعمامته البيضاء كبياض ثلوج جبل الجرمق وجبل الشيخ يكسب احترام ومهابة كل من يراه ويجالسه.
استطاع الفقيد الغالي بتواضعه ودماثة خلقه ومعرفته أن يصبح مرجعا فريدا ومقبولا على جميع أبناء الطائفة الدرزية وأبناء شعبنا قاطبة، نال الشيخ أبو علي محبة الكبير والصغير، رجال العلم، رجال الأدب ورجال الدين. تخطت شهرته ومحبته حدود البلاد الى سوريا، لبنان، الأردن وغيرها.
ترك بصماته الوطنية على بوابة التاريخ، ففي محنة مصادرة أراضي يانوح لإقامة المنطقة الصناعية تيفن، تراس الشيخ أبو علي وقاد لجنة الدفاع عن أراضي يانوح وجث منذ سنة 1990 ليوم وفاته، ورغم تقدمه في السن قاد النضال للدفاع عن الأراضي وحق استعادتها. رغم ضغوطات السلطة وأعوانها وقف الشيخ أبو علي بهيبته وطلعته البهية الملائكية صامدا راسخا متشبثا بحق أهالي بلده، ولطالما أحرج موقفه السلطات وازلامها واربكهم لعدم تجرؤ أي شخصية دينية او دنيوية في مجتمعنا على الوقوف ضده.
كان الشيخ بالإضافة الى كل ذلك متنورا منفتح الذهن على ما يجري في العالم من تطورات علمية وأحداث ومواكبتها, واذكر هنا مثالا عشته انا شخصيا وعائلتي مع سماحة الشيخ، في نهاية 2006 ترفعت الى لقب بروفيسور في الطب من جامعة التخنيون، بعدها بأيام معدودات في ساعات المساء في ليالي الشتاء البيت جنية القارصة وصل الى بيتي الشيخ أبو علي مهنا بكامل هيبته البهية مع بعض اقاربه لتهنئتي بالشهادة، لعمق ايمانه الراسخ وتقديره للعلم والعمل فيه، تركت زيارته عندي أعمق الأثر والكثير من الخشوع، ولدقائق معدودات لم نجد الكلمات لنعبر عن شعورنا العميق للشيخ، شعرت بالخجل والارتباك لهذا الشرف العظيم وهذه الزيارة المميزة, إنتابني شعور بان زيارة الشيخ ليست أقل وقعا عليّ من لقب بروفيسور. واستفسر الشيخ عن تفاصيل اللقب وحيثياته العلمية وعبر عن كامل فخره واعتزازه بالشباب المتعلم في مجتمعنا.
عندي الكثير الكثير مما استطيع تدوينه والبوح به عن شيخ الجليل وبلاد الشام في أيامنا، لكني اتوقف هنا.
وداعا شيخنا أيها الراحل عنا جسدا والباقي فينا روحا، نذرف الدموع على الشيخ العلامة العالم، المتسامح المتواضع، على رجل الإباء والاستقامة، على المحارب للدفاع عن الأرض والعرض، عليك السلام يا شيخنا أبا علي يا سنديانة الجليل ونجمًا أضاء في سماء شرقنا العزيز.
تموز، بيت جن