كل خمس سنوات نبدأ نشعر بذبذبات زلزال الانتخابات المحلية باكرًا... تُحرّك ميولنا التصويتيّة لا شعوريًّا، ومع اقتراب الموعد المحدّد يضربنا بقوّة إعلاميّة شديدة، يزعزع سقف توقّعاتنا، يُصدّع كيان ثقتنا بالمرشّحين، من خلال متابعة أخبارهم ووضعيّات صورهم، في بعض الصحف الأسبوعيّة المحليّة المنحازة لذلك المرشّح القوي جماهيريًّا، ومن خلال متابعة أعضاء مجلس التعاون الفيسبوكي، لمنشورات معظم المرشّحين الحداثيين، لصفحاتهم الشخصيّة، التي يديرونها بأنفسهم، أو يستعينون بطاقم مختص، وظيفته "تجميل وتحسين" عملهم الدؤوب!!"
لقد اتّخذ هؤلاء المرشّحون من مجلس التعاون الفيسبوكي، مقار مجّانيّة افتراضيّة، يزورها الآلاف يوميًّا، يفرشون لهُم على صفحاتهم، سيرتهم المهنيّة "الغنيّة والمبلّلة بعرَق العمل البلدي"، بهدف تسويق صورهم الباسمة رغمًا عنهم، للتعرّف على أساريرهم البريئة! بالإضافة إلى طرح برامجهم الانتخابيّة على مجلس التعاون الفيسبوكي، لينالوا بركته، كي يتواصلوا مع أعضائه على مدار الحملة الانتخابيّة!!
الزّلزال الانتخابي القادم سيبدأ من هذا المجلس الاجتماعي الرقمي والحسّاس، الذي بإمكانه أن يزلزل أركان المجتمع العربي... وسيتحول خلال فترة الانتخابات من جزُر اجتماعيّة منفصلة عن الحياة اليوميّة، إلى أشباه جزُر حزبية متناحرة، محاطة بحماية من مؤيدي ذلك المرشَّح، ليحاولوا اقتلاع حرية المواطن باختيار مرشّحه، من خلال تحطيمهم لصورة مرشّحه المفضّل، إلى حد تشويهها.
قوائم المرشّحين للرّئاسة والعضويّة، هُم الأرضيّة النشيطة لمقياس سُلّم ريختر الانتخابي، سيُظهِر لنا المؤشّر الحقيقي لقوّة هذا الزلزال، لذا أي تحرّك تقوم به أي قائمة، تُحدِثُ ارتدادًا قويًّا في كل المنطقة، وأي صدامٍ بينها، ينتج عنه زلزال شخصي عنيف، يكون أثره شديد على سير العملية الانتخابيّة التي اخترنا أن نسمّيها "عُرسًا ديمقراطيّة"، ولكنّها على طريقة التراشق الكلامي غير الأخلاقي!!
في الواقع، الأمر لا يوحي بذلك، لأنّنا نرى تَحَطُّم أشهى أطباق التعايش الاجتماعي، على موائد المنافسة المخجلة بين مرشّحي العضوية وبين مؤيّدي معسكرات القوائم!! أحيانًا تتفاقم الأمور ليس فقط إلى حد التطاول الكلامي المهين على بعض، بل إلى حدّ محاولة الاعتداء الإجرامي على بعض المرشّحين الذين يتمتّعون بشعبيّة وقوّة نفوذ كبيرَين بين المصوّتين، لتحطيم نفسيّتهم، يعتقد أعوان المرشّح الآخر أنهم قد نجحوا بدحر تلك الشخصيّة النّافذة، عن ميدان المنافسة، التي كانت تسمّى "نزيهة ومُنزّهצ عن العنف!!"
هذا الزّلزال الانتخابي القادم قد يُمزّق أنسجة الألفة والمودّة الشّخصيّة والعائليّة، بين العائلات والأفراد، ستبدأ أعمدة التسامح بالانهيار، فوق رؤوس العقلاء، لنجد المرشّحين يتراكضون بين أنقاض برامجهم الانتخابيّة، كي يحموها من الضياع في هذه الفوضى الانتخابيّة الحاصلة، بسبب حملاتهم الانتخابيّة الشّرسة، ذات الأسلوب الإسرائيلي الشخصي المنفلِت، والذي كان أول من انتهجه، نتنياهو، خلال حملته الانتخابيّة ضد شمعون بيرس في عام 1996، حينها استعان بالمستشار الاستراتيجي الأمريكي من الحزب الجمهوري، آرثور فينكلشطاين.
لكن في إسرائيل ينتهي العراك الانتخابي بعد انتهاء الانتخابات، إلاّ في مجتمعنا العربي تستمر العروض التشويقيّة للصّراعات بين المنتخَبين إلى أجلٍ غير مُسمّى، بسبب أحقادهم الدّفينة، فلا يبارك الرّئيس الخاسر للرئيس الفائز... كما تحدُث قطيعة شخصيّة، بين العضوين الفائزَين، حتّى إذا التقيا في إحدى المناسبات، لا يصافحا احدهما الآخر ، بل يبقى العداء غير المبرّر ستارًا بينهما، لا يخترقه ضوء التسامح!!
بعد توقّف زلزال الانتخابات، سيبقى أثره شديدًا على عقليّة النّاخب، الذي كان ثمن صوته، يساوي وزنًا لفترةٍ محدودة، ولكنه سيعود وينظر حوله، فيُدرك بعد حين أن التغيير، سيبقى محصورًا في البرامج الانتخابية الملوّنة بلغة إنشائيّة جذّابة تعبيريًّا... وعود المرشّحين تصبح أشلاءً... "المشاريع العملاقة" التي تباهى بها مرشّحو الرّئاسة، تغدو مشاريع "زفتة وكركار، وتنظيف حول الدّار"، لأن مشاريعهم الخياليّة، تتضاءل... تتلاشى، أمام مصالحهم الشخصية، فتتلوَّث بفسادهم الإداري، فلا يجد المواطن من يرمّم الدّمار الذي خلّفه هذا الزّلزال الانتخابي.
إن إعادة إعمار البنى التحتيّة للمدن العربية، لإنهاضها من سُبات التخلّف الحضاري، وصيانة بيئتها الأثريّة، ستوضَع في صناديق الذكريات، لتبقى مجرّد ذخيرة انتخابية، سوف يطلقها المرشّحون في الانتخابات القادمة. إذًا انتهت المَهمّة الدعائيّة، وعاد الناخب إلى ميدان وعيه خائبًا، نادمًا على انجراره وراء المرشّحين الأشاوس، ولكن الزّلزال القادم سيهز، سيُفكّك هذه التحالفات الوهميّة التي كانت بين المواطن ومرشّحه "النّجم"، الذي لم يحترم التزاماته الانتخابيّة، تجاه ناخبيه، لأن علاقته معهم ستبقى ضِمن العلاقات العامّة، إلى حين قدوم زلزال آخر.