قبل عدة اشهر جند الفوج السنوي للجيش في اطار الخدمة الاجبارية، الاف الشباب والشابات اليهود جاؤوا برفقة اهلهم وذويهم واصدقائهم الى معسكر تل هشومير (تلة الحارس) ليبدأوا مشوار الخدمة العسكرية الاجبارية او كما يحلو للبعض تسميته خدمة العلم والوطن اكثريتهم انتظروا هذا اليوم بفارغ الصبر، وباجواء عائلية فرحة الا مجموعة من ثلاثة فتيات في ريعان الشباب ومن بيوت لها ماض وحاضر عريق في الجيش وقوات الامن، هؤلاء الفتيات اعلن منذ فترة طويلة عن رفضهن الالتحاق والخدمة في الجيش الاسرائيلي لأسباب ضميرية، ولأنهن يرين بالجيش الاسرائيلي ليس جيش دفاع وجيش الشعب كما تسميه المؤسسة الحاكمة والصحافة الاسرائيلية "الحرة"، بل جيش احتلال وعدوان وقهر يضطهد الشعب الآخر الشعب العربي الفلسطيني.
وقد توصلن لهذه القناعات من خلال تجربتهن المتواضعة القصيرة، حيث اشتركن بلقاءات مع الشباب الفلسطيني، في العديد من الاعمال الاحتجاجية، ضد بناء جدار العزل العنصري، وغيرها من النشاطات التضامنية مع اهلنا في المدن والقرى الفلسطينية. خرجن باستنتاج اساسي، انه لا يمكن لهن الخدمة في جيش يمارس مثل هذه الاساليب العدوانية. هذا الامر ادخلهن بنقاشات حادة مع اقرب الناس اليهن، مع الام والاب والاخ والاخت، مع الصديق ومع الصديقة.
عشية اليوم المقرر للمثول في معسكر تل هشومير، رزمن امتعتهن الشخصية وبعض الكتب لأنهن كن على يقين ان الجيش سوف لا يحررهن من الخدمة الاجبارية وانهن سيزج بهن في السجون العسكرية القاسية. رافقهن في ذلك اليوم، ليس الاهل جميعا لان والد احداهن له رتبة عالية في الجيش وفي قوات الامن، رافقهن بعض الرفاق والاصدقاء والصديقات الذين يؤيدون خطوتهن الجريئة ومع دخول بوابة معسكر استيعاب المجندين والمجندات انهال عليهن وابل من الشتائم والتحريض من قبل اولئك الذين يعارضون خطوتهن الجريئة والمبدئية.
كل محاولات الجيش لثنيهن عن موقفهن باءت بالفشل، فبدل ان يحترم الجيش موقفهن المبدئي قام بزجهن في السجون بعد ان صدرت احكام بحقهن لمدة شهر وبعد انتهاء المحكومية تكررت من جديد وصدر الحكم من جديد وللمرة الثالثة على التوالي. وفي المرة الاخيرة حكم على احداهن ليس فقط بالسجن بل بسلب ابسط الحقوق، مثل امتلاك فرشاة اسنان او الكتب او الاستحمام او زيارات الاهل او استعمال الهاتف، كل هذه الممارسات الوحشية بحق فتاة بالكاد طوت ثمانية عشر ربيعا. ومن المؤسف جدا ان وسائل الاعلام العبرية تفرض التعتيم على ظاهرة رفض الخدمة في الجيش او رفض الخدمة في المناطق الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة، واذا نشرت عنها، فدائما كان موقفها معاديا تحريضيا، وكل ذلك باسم المسؤولية القومية الوطنية وباسم الامن وبالاساس باسم الدمقراطية المسكينة، تلك الدمقراطية التي تدافع عن احتلال اراضي الغير وتدافع عن القتل والدمار والاذلال. ومن المؤسف ايضا ان وسائل الاعلام العربية لا تنشر بما فيه الكفاية عن هذه الظواهر في المجتمع الاسرائيلي. نحن في خضم معركة الانتخابات للكنيست التي ستجري في العاشر من شباط القادم الاحزاب الصهيونية – ليكود، العمل، كاديما، ميرتس، جرت فيها انتخابات تمهيدية باشتراك الاف المنتسبون من اخوتنا المواطنين العرب الفلسطينيين، وهذه الاحزاب جميعها تدين وترفض ظاهرة رفض الخدمة في الجيش او في المناطق المحتلة، وتندد بها وتحاربها علانية، اين المنتسبين العرب لهذه الاحزاب من هذه الظاهرة؟ ترى هم ايضا يعارضونها باسم امن اسرائيل وباسم الدمقراطية!! ام يعارضونها باسم "التعايش"؟! وصلت الوقاحة الصهيونية، بالصحفية المخضرمة عضوة الكنيست النشيطة بالقضايا الاجتماعية والطبقية من حزب العمل شيلي يحيموفيتش وبقيادات بارزة في حزب ميرتس ان يعيبوا ويحرضوا على عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الاسرائيلي النائب الجبهوي دوف حنين الذي رشح نفسه لرئاسة بلدية تل ابيب- يافا، لأنه غير صهيوني ويرفض الفكر الصهيوني ولأنه يدافع عن رافضي الخدمة العسكرية او الخدمة في المناطق المحتلة، ولأنه لا ينشد النشيد الوطنيه"هتكفا" لان له نقاشا حول مضمونه.
في شهر نوفمبر جرت الانتخابات للسلطات المحلية في البلاد ومنها المدن المختلطة مثل يافا، عكا، اللد، الرملة، نتسيرت عيليت وحيفا عروس البحر. اثلج صدر كل الشرفاء والوطنيين الصادقين ابناء الشعب الفلسطيني العرب مواطني اسرائيل محافظة الحزب الشيوعي ومن ثم الجبهة الدمقراطية في حيفا على الموقف الاممي الذي اصبح تقليدا بخوض الانتخابات بقائمة يهودية عربية اممية. اثلج صدورنا اكثر وعي اهلنا في حيفا الذين اعطوا ثقتهم لهذا الطريق، لهذه القائمة والذين رفضوا الموقف القومجي التحريضي للتجمع الذي حرض ضد هذه التركيبة الاممية، الغريب العجيب انه بعد مرور ايام قليلة على الانتخابات البلدية ومنها حيفا، يدعو التجمع لاقامة تحالف للاحزاب العربية على الساحة العربية لخوض المعركة الانتخابية البرلمانية، الا يعرف التجمع ان الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية هما القوة الاساسية بين الجماهير العربية وهذا ما اثبتته نتائج الانتخابات البلدية!!
الا يعرف التجمع ان مصدر قوة الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية هو تركيبته الاممية اليهودية العربية؟! وانا لسنا حزبا وجبهة عربية والشراكة اليهودية العربية الفاعلة ليست مصدر ضعف لنا بل مصدر قوة وفخر واعتزاز!!
الكل يعرف عن المظاهرة التي اراد ايتام المأفون كهانا القيام بها في ام الفحم، والحقيقة التي يعرفها اهالي ام الفحم جميعا، انه بفضل صمود اهالي ام الفحم وبفضل وحدتهم وتجنيدهم للرأي العام الاسرائيلي (نعم الرأي العام الاسرائيلي الصهيوني) وبفضل العمل المشترك اليهودي العربي واصرارهم موحدين على التصدي للاستفزاز العنصري اضطرت الشرطة ارجاءها ليس لالغاء المظاهرة الاستفزازية للجماعة العنصرية الفاشية من ايتام هذا المأفون. اهالي ام الفحم ما زالوا يذكرون يوم التصدي للمأفون كهانا عام 82، يذكرون بكل تقدير واحترام الوقفة المشرفة للشرفاء اليهود الذين كانوا في الصفوف الامامية في وجه الشرطة وحرس الحدود الذين ارادوا السماح له بدخول ام الفحم وتدنيس ترابها الطاهر.
اهالي ام الفحم، جماهيرنا العربية تعلمت من تجربتها الطويلة ان العمل اليهودي العربي المشترك ضد سلب الارض العربية وضد الحرب والعدوان ومن اجل تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني واقامة دولته المستقلة بجانب اسرائيل وعاصمتها القدس العربية. ومن اجل المساواة التامة في الحقوق اليومية والقومية للجماهير العربية، هذا العمل اليهودي العربي المشترك هو ضمانة مشرفة لنيل الحقوق وهو مصدر قوة لأنه قائم على الاحترام المتبادل ولأنه يخدم المصلحة الحقيقية لكلا شعبي هذه البلاد. شراكتنا الاممية قائمة على احترام المصالح الحقيقية ليس فقط للشعبين بل ايضا على المصلحة الحقيقية للمظلومين من كلا الشعبين.
اما الشراكة اليهودية العربية في الاحزاب الصهيونية فهي شراكة الفارس والفرس، شراكة الراكب والمركوب، لذلك هي ليست مصدر قوة لهذه الاحزاب الصهيونية، بل مصدر ضعف وخزي وعار لهم.