* أُلقيتْ الكلمة في كنيسةِ القدّيسِ جوارجيوس في أبوسنان*
// شريف صعب
بسم الّله الرّحمن الرّحيم، أيّها المشيّعونَ الكرام:
شرفٌ عظيمٌ هو لي أن أقفَ في هذا المكانِ المقدّسِ وبقلبٍ حزينٍ، تملؤهُ الّلوعةُ، لأرثيَ جارًا كريمًا وأخًا عزيزًا، عايشناهُ خلالَ عشراتِ السّنين، بمحبّةٍ وثقةٍ كاملتينِ.
إنّنا نُقدّسُ ونُقدّرُ جميعَ الدّياناتِ السّماويّةِ ونحترم كلَّ أماكنِ العبادةِ. فقبلَ أن تأتينا الدّياناتُ من عندِ الرّبِّ، كنّا، جميعًا، أبناءَ آدم وحوّاءَ، متساوينَ في كلّ شيء. والآنَ، لكلٍّ دينُهُ ومعتقداتُهُ، فـ"كلُّ نفسٍ بما كسبتْ رهينةٌ!"
أذكُرُ نفسي وأنا طفلٌ صغيرٌ، كيفَ كنتُ آتي إلى هذهِ الكنيسةِ المباركةِ كي أحضُرَ، مع أصدقائي، "العُمّادَ والجُنّازَ و...القُدّاسَ" وغير ذلك، بكثيرٍ من الاحترام.
لقد زرتكَ يا "أبا أمير" قبلَ بضعةِ أيّامٍ. جئتكَ لأطمَئنَّ على صحّتكَ ولأُمازحَكَ، كعادتي، حيثُ كنتَ دمثَ الأخلاقِ. فرحتَ بقدومي فضحكنا وتمازحنا، لكنّني لاحظتُ دموعًا... تحتبسُ في مقلتيكَ، تخجلُ أن تنهمرَ. لقد ضحكتَ ببراءةِ طفلٍ، كعادتكَ. ابتسمتَ، لكنّني أحسستُ أنّ خلفَ ابتسامتكَ، الكثير من الأحزانِ والآلامِ وقليلا من الخوفِ، وكأنّكَ كنتَ تشاهدُ بِـ
"أعينِ روحِكَ"... ملاكَ الموتِ، يحومُ فوقَ ضيعتنا!!
أيُّها الجارُ الغالي، في الموتِ عبرةٌ، فهو لا يُفرّقُ بين بَني البشرِ، فكلُّ من وُلدَ سيموتُ. فأنتم السّابقونَ ونحنُ الّلاحقونَ وقد قالَ الشّاعرُ "قُسُّ بنُ ساعدةِ الأياديّ" في ذلك:
...لمّا رأيتُ موارِدًا للموتِ ليسَ لها مصادرْ
ورأيتُ قومي نحوَها يسعى الأصاغرُ والأكابرْ
أيقنتُ أنّي، لا مَحالةَ، حيثُ صارَ القومُ صائرْ
إنّ قلوبَنا تعتصرُ ألمًا على فراقكَ ، أيّها الجارُ العزيز، فقد كنتَ جارًا ويا نعمَ الجارُ، فكمْ ائتمنّاكَ على ما لَنا وكمْ ائتمنتنا على ما لَكَ وعلى... مالِكَ! لقد ربّيتَ عائلةً كريمةً، مع حرمِكَ المصون، أمّ أمير، وأعطيتَ لبناتكَ الثّلاث كلَّ ما استطعتَ، حتّى أصبحنَ خيرَ خلفٍ لخيرِ سَلَفٍ...فحباكَ الّلهُ تعالى بأنسباءَ من خِيرةِ الرّجالِ، وهلْ يحُطُّ النّحلُ إلّا على الزّهرِ المليء بالشّهدِ!؟ فنعمَ التّربيةُ ونعمَ المخوَل!
سنبقى على العهدِ يا جارَ الرّضا ، وسنتابعُ في علاقاتنا الطّيّبةِ، إلى ما شاءَ الّلهُ. قالَ الشّريفُ الرّضيُّ:
الموتُ بابٌ جميعُ النّاسِ تدخلهُ يا ليتَ شعري وراءَ البابِ ما الدّارُ
الدّارُ جنّةُ خلدٍ إن عمِلتَ بما يُرضي الإلهَ، وإن قصّرتَ، فالنّارُ
وقالَ السّيّدُ المسيح: "أنا هو القيامةُ والحياةُ، فمن آمنَ بي ولو مات فسيحيا". كلامٌ بليغٌ عميقُ الأبعادِ والمعاني، لو تمعّنّا بهِ.
نطلبُ من العليّ القديرِ أن يوسّعَ لكَ أبوابَ توبتهِ، وأن يفتحَ أمامَكَ أبوابَ جنّتهِ لتهنأ بها وأن يلهمَنا وذويكَ الصّبرَ والسّلوان، وما نقصَ من عمركَ يزيدُ بأعمارِ أحبّائكَ. إنّا للّه وإنّا إليهِ لراجعون... رحمةُ الّله عليكَ!
(أبو سنان)