في محادثاته مع جورج ميتشل رسول ادارة باراك اوباما الى المنطقة، امس الاول الاربعاء، كشف رئيس الحكومة المنصرف قريبا امامه "سرا" كان مفضوحا، فقد ادعى انه من المفاوضات "الجدية" التي جرت بعد مؤتمر انابوليس على طاولة المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس واحمد قريع من جهة وبين اولمرت وتسيبي ليفني من جهة اخرى كان الطرفان قاب قوسين، قريبين جدا من الاتفاق على خطوط عريضة لتفاهمات الحل الدائم!! ففي اطار هذه التفاهمات التزم كل من اولمرت وليفني امام المفاوضين الفلسطينيين المذكورين بان يتضمن الحل الدائم البنود التالية.
* اولا: اقامة الدولة الفلسطينية في حدود السبعة والستين، ولكن بشرط الانتقاص من سيادتها على الارض، اذ يجري ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة التي يشملها جدار الضم والعزل العنصري، وتؤلف اكثر من خمسة وعشرين في المئة من مساحة الضفة الغربية تحت السيادة السياسية الاقليمية الاسرائيلية مقابل "تعويض" الدولة الفلسطينية بارض بديلة دون تحديد المقياس، في منطقة النقب الصحراوية جنوب اسرائيل، كما تعهد الطرف الاسرائيلي باخلاء ستين الف مستوطن من المستوطنات الهشة المحيطة بالمدن والقرى الفلسطينية والذين يؤلفون خمسة وعشرين في المئة من مجمل عدد قطعان سوائب المستوطنين توجيه هؤلاء المستوطنين للاستيطان في الكتل الاستيطانية الكبيرة او في داخل اسرائيل السبعة والستين.
* ثانيا: تقسيم القدس الشرقية المحتلة وضواحيها بين اسرائيل والكيان الفلسطيني الذي سيقوم بحيث تجري شرعنة الاحياء التي استوطنها وهودها المحتل الاسرائيلي، وتؤلف اكثر من ثلاثة ارباع القدس الشرقية المحتلة، وتضم الى القدس الغربية عاصمة لاسرائيل، بينما الاحياء الشرقية المكتظة بأهلها الفلسطينيين تكون وتؤلف مع بعض ضواحي القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية. اما اماكن العبادة، بما في ذلك المسجد الاقصى المبارك وكنيسة القيامة المقدسة وغيرها لا تكون تحت سيادة الدولة الفلسطينية المستقلة بل تحت اشراف شبكة دولية تنظم وتضمن الحركة الحرة لجميع الديانات بالوصول الى اماكن عبادتهم!
* ثالثا: تنظيم التواصل الجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية من خلال انفاق وجسور وشوارع تشق وتبنى تحت او فوق الارض.
* رابعا: الرفض الاسرائيلي المطلق لحق العودة لاكثر من اربعة ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات القسري وفي مخيمات المعاناة في مختلف ارجاء الدنيا وتعترف وتقر الشرعية الدولية بحقهم في العودة.
وعندما سئل اولمرت لماذا لم يجر توثيق وتجسيد هذه التفاهمات باتفاقية تبرم، بل كانت المفاوضات ليست اكثر من "طحن ماء" لم يتمخض عنها شيء، اجاب بشكل ديماغوغي، انه عندما اعلنت عن استقالتي المرتقبة وتقريب موعد الانتخابات للكنيست اوقف الطرف الفلسطيني المفاوضات!! برأيي ان الكشف عن هذا "السر" وفي هذا الوقت بالذات يستهدف امرين اساسيين: الاول، محاولة تسويق هذا الحل الذي ينتقص من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية للادارة الامريكية الجديدة لمبعوثها المسؤول عن ملف الصراع والادعاء وكأن الطرف الفلسطيني مستعد للتفريط بأهم ثابتتين للحقوق الوطنية، القدس واللاجئون، والثاني وضع حكومة اسرائيل التي ستقام بعد الانتخابات في حدود اطار الحل المزعوم لاولمرت.
انني على ثقة ان اسرائيل الرسمية لن تجد أي فلسطيني كان من كان من حيث المسؤولية يتجرأ على توقيع اتفاقية "الانتحار الذاتي" كما يقترحها اولمرت – ليفني، ان يفرط بحق العودة اهم ثابتة وطنية او بغيرها من حقوق السيادة الفلسطينية التي مهرها الشعب العربي الفلسطيني بقوافل لا تعد ولا تحصى من الشهداء والجرحى ومعاناة شعب خلال اكثر من ستين عاما ومنذ النكبة.
اليوم، وفي هذا الظرف المصيري الذي تمر به القضية الفلسطينية وقضية الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني – العربي، خاصة بعد حرب الابادة الاجرامية على قطاع غزة، فانه لا يوجد اكثر مصداقية واكثر عدالة من البرنامج الذي طرحته وتطرحه الجبهة منذ سنة السبعة والسبعين من القرن الماضي وحتى اليوم وتحمله في مختلف معارك الكفاح، البرنامج الذي بادر الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة في طرحه ويلقى اليوم تأييدا دوليا واسعا وفي اوساط منظمة التحرير الفلسطينية. وفي مركز هذا البرنامج انسحاب المحتل الاسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران السبعة والستين واخلاء وانقلاع جميع المستوطنين من المناطق المحتلة، اقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 194. وانتقاص أي من هذه الثوابت الوطنية لن يقود الى بناء قواعد السلام العادل في المنطقة، ولا سلام ولا امن ولا استقرار في الشرق الاوسط بدون دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وضمان الحل العادل، حق العودة للاجئين، وخيطوا يا حكام اسرائيل وامريكا بغير مسلة الانتقاص من ثوابت الحقوق الشرعية الفلسطينية.