ذات يوم ليس ببعيد في صفحة الماضي وبينما كمنت اقرأ كتاب سياف الزهور للكاتب السوري الفذ محمد الماغوط، واذ بابني عدي الذي يقرأ لي كل ما اكتبه في جريدة الاتحاد الغراء وقف امامي والحيرة على وجهه وفي عينيه وسألته مالك محتار فقال لي، يابا بدي اقلك اشي ومتلبك، فقلت شو في؟ فقال الاحظ في كتاباتك التكرار تقريبا نفس الموضوع، عن السلام والاحتلال وهكذا كان رأي ابنتي عفراء التي الاحظ عليها انها بدأت تهمل الهم عندما اسلمها المادة لكي تطبعها فهي لا تحب السياسة وبينهما نفور. وكذلك انضم اليهما ابني الشاعر وسام، فقلت لهم هذا هو الواقع الموجود ولا يمكن تغييره بالصمت وانما بالصراخ والنضال وحتى ولو تغير سنكتب عن الواقع الجديد ومقارنته بالواقع القديم.
ثم انا لم تسمح لي الظروف باستكمال التعليم وانهيت الصف التاسع ولست اكاديميا لاكتب الابحاث والتحليلات والمقالات العلمية عن النجوم وطبقات الارض والسل الرحمي والعقم المعند والنباتات وما هي الاسمدة التي تناسبها وغير ذلك، فانا كاتب عادي وقارئ عادي، وكانسان بسيط اقول رأيي واهم ما فيه السعي لمحبة الناس ونيل حب الناس ثم يكفي عنوان هذا الكتاب لندمن على التكرار لتحطيم السيوف وبالتالي البنادق وكل وسائل القتل والحقد والدمار والاستغلال ومفاهيمها ولحفظ الزهور ونضارتها وعبيرها المنعش والمضمخ للنسائم وللنفوس وللضمائر وللافكار وللعطاء العام الجميل في كافة المجالات وقلت لهم رأيكم هذا اوحى لي بكتابة مقال وها هي كلماته تجلس الواحدة بجانب الاخرى، فالتقدم لا يتحقق في اي مجال الا بتآلف الكاتب عضويا مع عصره والمحتوى لمقاله او قصته او روايته او قصيدته او بحثه لا ينفصم عن آراء الكاتب بزمانه واحواله واسبابه وبين تكرار وتكرار خراب وعمار، فتكرار الامور الجميلة والافكار الاجمل والسلوكيات الاروع والاهداف الارقى، مطلوب وفي كل لحظة لضمان العمار والعطاء الافيد وتوطيد الوشائج وتعميق المحبة بين الناس فيما تكرار الامور السيئة والشرور والنهج والحروب والاضطهاد والاستغلال والعنصرية وحب الذات والتشاوف والشوفينية والصمت ازاء ذلك، يضمن الخراب والدمار والتنائي والتجافي والتوتر والخصام والعنف واللصوصية بين الناس والواقع القائم في اسرائيل والمحسوس في كل لحظة وفي جميع المجالات من رأس الهرم السلطوي الى القاعدة مصطبغ وبقوة وملوث بالعنصرية والشوفينية واحتقار العرب والاصرار على السلب والنهب والهدم والسعي للترحيل والترانسفير وترسيخ الاحتلال والاستيطان وبالتالي اخطار الفاشية والتدهور الخطير نحو الحرب.
وهنا تبرز القناعات وتكرارها وبقوة لخدمة اهداف الانسانية الجميلة واولها السلام ثم ان التكرار موجود في كل شيء فالقاء تحية صباح الخير او مساء الخير او مرحبا تكرار وتصور الانقطاع عن ذلك، ثم ان دوران الارض حول الشمس تكرار، وعملية الشهيق والزفير تكرار، وتناول الطعام والعمل والعلم والجلوس الى خير جليس في الزمان والنهل من ينابيع المياه العذبة، تكرار ويا احلاه ما احلاه من تكرار، كذلك اذا لم تتلاق ايدي المحبين وتمسد الاجساد وترفدها بتلك الكهرباء الزرقاء والتي نحس بعنفوانها ولا نراها لن يكبر ويتوطد ويدوم الحب فالحب ليس لحسة عسل واحدة وانما لكي يترسخ ويكون اجمل علينا ان نغرف من دنه غرفا، وهل هناك اجمل من هذا التكرار، وحتى نيل الحقوق بحاجة الى تكرار رفع الصوت والصراخ والتظاهر والاضراب وتعميق الوحدة بين المظلومين لانتزاعها وهذا بحاجة الى تكرار السعي الجاد وعدم الصمت وعدم الركون الى الوعود وحسن النوايا.
وعندما يكون الانسان في غاية الظمأ وامام عينيه عين ماء ولكنها بعيدة وبقربه عين ماء لكنها ملوثة فيفضل تكرار السير خطوت وخطوات الى الامام لينهل الماء العذب والطيب وهذا التكرار لا يتناقض مع الحياة الجميلة التي نسعى اليها بل يمثل التربة التي ينمو فيها وعليها ان تكون مسمدة وخصبة بافكار المحبة والتقارب والوفاء للقيم ومكارم الاخلاق، وتوطيد الوشائج وتعميق رؤية المشترك وعدم اليأس والتسلح الدائم بالامل الاخضر وبالكلمة المقاتلة الجريئة الاممية وتكرارها لنصل الى الاجمل، خاصة اننا نعيش في دولة فقد قادتها وعلانية اي حس انساني في التعامل معنا كأقلية قومية فلسطينية وبلغ بهم حقدهم لنا وحبهم لانانيتهم ان ارسلوا كما نشر قبل اسابيع فرقة لانقاذ فرخ بومة في منطقة الكريوت للبرهنة على مدى عطفهم حتى على الحيوانات للتستير على حيوانيتهم في التعامل معنا بينما منعوا في حينه استمرار توجه الطائرة لانقاذ جندي في الجيش اصيب بجروح خلال مواجهات في نابلس قرب قبر يوسف بعد ان تبين لهم ان الجندي عربي ومن بيت جن واسمه مدحت يوسف فهل نسكت ام ذلك يدفعنا لتكثيف التكرار النضالي والكلامي والانساني لتغيير الواقع المأساوي والمشبع بالعنصرية والعنف.
واعود واقولها هل نترك ذلك ونكتب عن خيالات واوهام فليست لي الكفاءة العلمية والقدرة الاكاديمية للكتابة مثلا عن السكر لماذا هو حلو وكيف ومماذا صنعوه ولماذا مثلا لا يضاف الى الطعام انما الملح هو المطلوب للطعام وليس للقهوة او القرفة ولماذا يمتاز الملح بالملوحة وعبير الورد بالطيب واثره الانعاش وليس الاشمئزاز، وهكذا لان الموت الزاحف يمر بين حكام اسرائيل وكأني بهم لا يرونه وعمدا ومن هنا اهمية تكرار الحديث عن افكارنا الشيوعية والجبهوية وضرورة الاصغاء لها وتذويتها والالتفاف حول الاطار المتمسك بها لصالح الشعبين وكذلك رؤية التكرار مجسدا في موت القيم وضرورة وقفه بالعمل وبتكرار غير ممل وعدم ياس لانتصار الحياة وليست اية حياة، انما حياة الكرامة والمروءة والشهامة وحسن الجوار والتعاون البناء وتوطيد وشائج الصداقة والتقارب وحفظ الانسان انسانا بكل ما في الكلمة من معنى.
نعم هناك التكرار المطلوب لتستمر الحياة وليست اية حياة، ولتجفيف الاحزان والقضاء على البؤس والفقر والشقاء والتعاسة من حياة الانسان، ففي الربيع تكون السهول غنية بالازهار وبشقائق النعمان والريحان والنسائم العابقة ولكن هناك من يراها جماجم بشرية محطمة لانه ادمن على السكر بالآلام والاحزان والسادية وعلى الولوغ في دماء الآخرين وفي ذلك خراب ودمار ليس للماديات فقط وانما للمشاعر والضمائر والافكار وثمة طموح واحلام فلكي تتحقق يجب تكرار الجيد في الفكر والسلوك والنهج والهدف والعطاء لتكون زاهرة وعابقة وجيدة ولمنع الهدم والشنيعة والبشعة.
ثم ابعد من ذلك هل يمكن تجاهل حياة الناس سعيدة ام تعيسة، ففي الحالتين مطلوب الكتابة عن ذلك اي عن الواقع وعدم القفز عنه ولتنبت الكتابة الاحلى والأفيد أوليس الفصل بين المعتقلين الفلسطينيين ومنع ذويهم من الاقتراب منهم وممارسات القمع والتنكيل ومداهمات البيوت والضغط على الزناد بمثابة تكرار سيئ وشنيع ويجب وقفه فورا، ورفع الاسعار وحرمان الفقراء من متطلبات الحياة تكرار، والعبرة في احداث الاردن فلما كانت ترفع الاسعار والشعب ساكت كان ذلك بمثابة ضوء اخضر لحيتان المال لرفعها ولكن عندما ثار وكرر مواقفه النضالية وصرخاته اسقط الحكومة وبعدم تكرار نزول الجماهير في اسرائيل الى الشوارع والصراخ ضد الاحتلال سيستمر بدماره وخرابه ووحشيته وعلى الاقل ليفكر كل واحد في اسرائيل ويتساءل أليس من الممكن الخروج من جحور الاحتلال، وهذا يتطلب تكرار الحديث عن السلام والتقدم لملاقاة الواحد للآخر في الحدائق وليس في المعارك.