news

العدوان على غزة وانعكاساته على الجماهير العربية

فظاعة الجرائم التي اقترفتها القوات الإسرائيلية في عدوانها الأخير على غزة لم يسبق لهل مثيل منذ النكبة في العام 1948. هذا الأمر دفع الكثيرين إلى المقارنة بين جرائم النازية ضد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية وقتل الأبرياء والعزل أبناء الشعب الفلسطيني في غزة. آخرون وصلوا للاستنتاج إننا "لا نستطيع أن نعيش معهم و..." يا إحنا هون يا هم". هذه الأصوات نابعة بالأساس من الغضب العام والصادق على المجازر التي ارتكبت هناك.
لا شك إن إسرائيل لم ولن تربح ولن توفر الأمن لمواطنيها في الجنوب الإسرائيلي. فقد جربت إسرائيل كل طرق القوة واستعمال العنف ضد الشعب الفلسطيني في العقود الأخيرة ولم تكسر عزيمته. إسرائيل تطلب المستحيل من الشعب الفلسطيني. تطلب منه الانصياع التام لأوامرها, أن لا يتطور, أن يقبل بالحصار, أن يجوع, أن يعرى وان لا يهرب قوته عبر الحدود. ارايتم شعب يقبل في ذلك؟ ارايتم حدود في العالم لا يتم التهريب من خلالها عند الحاجة؟؟
فظاعة الأعمال الإجرامية الغير مسبوقة تستدعي التفكير ومحاولة تفسيرها. كيف حدث هذا لمجتمع يدعي الديمقراطية والتنور؟ على مدى ثلاثة أسابيع دعم المواطنين اليهود بغالبيتهم الساحقة جدا جيشهم في قصفه الأخضر واليابس, قصف مؤسسات عامة, قتل الأطفال والنساء واستعمال أسلحة فتاكة وغير قانونية؟ في هذا السياق لا بد من الاشارة الا اقلية , لكنها مهمة جدا, من ابناء الشعب اليهودي التي خرجت للشارع ضد الحرب منذ يومها الاول. في الوقت نفسه وقفت الجماهير الفلسطينية في إسرائيل برمتها ضد الأعمال الإجرامية في غزة. والسؤال الأول الذي يبادر لذهننا هل هؤلاء هم "الشركاء في الوطن" الذي تعودنا عليهم حتى الآن؟ والجواب نعم نعم. طائراتهم تضرب أخوتنا في غزة وتقتلهم ونحن مطالبون أن نبني معهم الشراكة في الوطن؟ في الدولة؟
لقد وصل الشعب الإسرائيلي في عدوانه الأخير إلى مأزق لا يستطع الخروج منه إلا بدفع استحقاقات يرفض دفعها منذ العام 1948. أراد تغيير الواقع على الحدود الجنوبية لإسرائيل. أرادها حدود أمنة, لكنه سلط بأعماله الإجرامية الضوء على اللاجئين الفلسطينيين والحاجة لحل قضيتهم العادلة. لقد حاولت حكومة إسرائيل إقناع العالم بان القضية تتعلق بصواريخ القسام وإنها أتمت انسحابها  من غزة عام 2006.   لكن العالم رفض هذه الرواية ويرى إن أساس المشكلة في انعدام حل سلمي يضمن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في وطنه وإقامة دولته المستقلة. 
إسرائيل تحكم على يد نظام عسكري شبه ديمقراطي وما يحرك قيادته هو التفكير العسكري. القيادة السياسية جاءت من الجيش وهناك وزن كبير لجنرالاته الذين ما زالوا يخدمون في المؤسسة العسكرية مثل داغان, ديسكين, اشكنازي وآخرين. هؤلاء يؤمنون بلغة القوة وليس بلغة الحوار مع الآخر.
العدوان على غزة اظهر أيضا أن الأقلية الفلسطينية في البلاد هي الأكثر تعرضا لسياسات كارثية ويائسة لحكومات إسرائيل المستقبلية. فمقابل الانفتاح على الأقليات وحقوقها في العالم نرى أن المؤسسة الإسرائيلية تنغلق في تعاملها مع مواطنيها. الجماهير الفلسطينية في إسرائيل تقف على مفترق طرق حددته السلطة وما زالت تبرز معالمه يوميا. إن عمليات الإقصاء والتهميش التي تعودنا عليها حتى الآن تدعم الآن بخطط جهنمية للترانسفير بدءا بالترانسفير السياسي ووضع علامة استفهام على وجودنا في هذه البلاد. الاعتقالات بالمئات ضد شبابنا, محاولة شطب القائمة الموحدة والتجمع الديمقراطي هي المقدمة الأولى لما سيحدث بعد الانتخابات القادمة. فعندما يكون الشعار السياسي لحزب ليبرمان يربط بين الولاء للدولة والمواطنة فانه يقصد بذلك  تشريع خطاب  الترانسفير ضد العرب في المجتمع الإسرائيلي. هذا الهجوم على جماهيرنا العربية يستدعي منا خطابا أكثر حدة في مركزه مواطنتنا الكاملة والمتساوية والمطالبة بإرجاع المهجرين الفلسطينيين, مهجري الداخل,  إلى ديارهم. في نفس الوقت هناك حاجة ماسة إلى التواصل والتشبيك مع مؤسسات دولية, حركات سلامية, أقليات أخرى في العالم ومع شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده.
كل هذا لا يكفي بدون تكثيف العمل في أوساط الشعب الشريك في هذه البلاد. نعم ليس شعبيا هذه الأيام أن نكون على استعداد للعمل في أوساط ومع المواطنين اليهود في هذه البلاد. نعم من السهل القول أن الشعب الإسرائيلي هو شعب أعمى, أطرش وأخرس لكن لا بديل عن محاولات أخرى بإقناع هذا الشعب المضلل بخطورة مغامرات قياداته التي تنحدر وبسرعة إلى الفاشية. هذه الفاشية أصبحت تتغلغل الآن إلى مركز الخارطة الحزبية الإسرائيلية والى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بكل اذرعها. خطابنا مع يهود هذه البلاد يجب أن لا يتمحور في الأمور الصغيرة والمحدودة وإنما في رسالة كبرى وواضحة أن دولة إسرائيل في سياساتها العدوانية الحالية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية لا تستطيع ضمان وجودها لأمد بعيد في محيط العالم الإسلامي والعربي الممتد من الهند في الشرق إلى المحيط الأطلسي في الغرب. إسرائيل لا تستطيع المراهنة إلى الأبد على قوتها العسكرية وعلى أنظمة عربية خنوعة وعدوة لشعوبها التي تفجرت في الأسابيع الأخيرة كالبركان لنصرة غزة.
لم يكن صدفة إنني قفزت على الأنظمة العربية التي لا يمكن التعويل عليها. لقد استطاعت الإدارة الأمريكية في العقود الأخيرة وخاصة إدارة بوش بتدجين هذه الأنظمة وتحييدها ليتسنى للحكومة الإسرائيلية التفرد بالشعب الفلسطيني. الكارثة الكبرى أن ينضم رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته ؟؟  إلى هذا الفلك الذي صمت عند ذبح أطفال غزة. كل نشاط الرئيس الفلسطيني؟؟ في الأسابيع الأخيرة تراوح بين التمني والاستنكار بين التحذير والانجرار ... وإلا كيف يفسر ابو مازن استعمال الهراوات والغاز المسيل للدموع ضد أبناء شعبه الذين خرجوا يستنكرون العدوان على غزة. نعم العار ثم العار أن نرى أن مساحة الاحتجاج والعمل السياسي للفلسطينيين في دولة إسرائيل أوسع مما سمح به ابو مازن وشرطته لأبناء شعبنا في الضفة الغربية.