news

كيف أبقتني "فولا" خارج غرفة السجن حتى السابعة صباحا دون أن أراها أو أكلمها؟


*"فليتسيا لانغر" توفيت في ألمانيا يوم الخميس 21 حزيران 2018، ولكنها واحدة منا من بناتنا من أخواتنا من رفيقاتنا الماجدات. ونحن نودعك أيتها المناضلة أيتها الشجاعة أيتها الرفيقة المخلصة، كلنا أمل وكلنا إصرار أن تنتصر قضية شعبنا العادلة أن تنتصر قضية الإنسانية في العدالة الاجتماعية والسعادة البشرية وعدم اضطهاد الانسان لأخيه الانسان*

// مفيد صيداوي

كان وادي عارة بين السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، خاصة في المنطقة بين عارة وعرعرة، بدون شارات ضوئية وحتى بدون إشارات تقليل السرعة وغيرها من الامور الوقائية التي يجب أن تقوم بها وزارة المواصلات لتمنع الحوادث في هذا الشارع الرئيسي. كنا فرعا حزبيا جديدا فرع عرعرة عارة تأسس في( 19-09-1973م)، وصادف أن دهست المرحومة أم محمد عمور من الظهرات، وبعدها حدث حادث طرق كان نتيجته جرح وإصابة مركبة المربية وفاء نواف يونس، وكنت سكرتيرا للفرع، وكان علينا أن نرد فقمنا بتجمع تظاهري في مكان الحادثين ورفعنا مطالبنا عن طريق تنظيم عرائض تطالب بوضع شارات مرور وبجسر بين البلدين أو شارات مرورية مناسبة، ولأن الأهالي تجاوبوا معنا يبدو أن السلطات حسبت الحساب، فأرسلت قائد الشرطة وثلة من أفراد الشرطة لبيت المرحوم عادل يونس للإجتماع بوجهاء القرية، فدخلت عليهم مساء  وطلبت حق الكلام كممثل للشباب وسُمح لي بالكلام وملخص رسالتنا التي قلتها: أنه إذا لم تنفذ مطالب المواطنين أهلنا فسنقوم بنشاطات نضالية أكبر مما حدث اليوم. وسمع ذلك الوجهاء المتواجدون والضابط وبقية أفراد الشرطة الذين تواجدوا.
حوالي الساعة الثانية عشرة ليلا وإذا بقوة من الشرطة تقودني من بيتي إلى مركز شرطة عارة، وهناك طلب مني الشرطي أن أخرج ما في جيوبي استعدادا لأدخالي غرفة السجن. فقلت له كيف تدخلني السجن بهذه السهولة؟ ألا يوجد لي حقوق؟ فقال ماذا تريد؟ قلت أريد أن اتصل بمحام. قال من هو؟ قلت محاميتي هي فيليتسيا لانغر.!!
نظر إلي... نظرة مرتاب وإذا به يبدأ في اتصالاته مع من هم أكبر منه درجة كما أتصور... ولم يدخلني غرفة السجن بل طلب مني بهدوء أن أبقى على الأحوال وفعلا بقيت خارج غرفة السجن للساعة السابعة صباحا، وأنا الحظ قلقه واتصالاته... وإذا بضابط يدخل ويقول: اتعتقد أننا لا نستطيع إحضار ضابط برتبة عالية ليدخلك غرفة السجن؟ لقد حضرت أنا ولكنك أقلقتنا طول الليل بمحاميتك هذه!!
طبعا... عرفت من تصرفهم انهم قلقون جدا... وعرفت خوفهم من الاسم للمحامية التي كان صيتها ذائعا... فقلت له.. آه الآن ممكن.. وإلا كيف يدخلونني السجن هكذا بدون توقيع ضابط (وكأنني أعرف القانون جيدا!)... فقال: ما دمت تعرف أن هذه النهاية لماذا تقلقنا؟ قلت: القانون يا حضرة الضابط... وكأنني كنت أعرف كل شيء.
هذه واحدة فقط.. وذقتها على جلدي كما يقولون من حسنات المحامية الشيوعية البطلة فليتسيا لانغر التي دافعت عن المعتقلين والأسرى الفلسطينيين بإخلاص وتفان ومن منطلق أن مهنة المحاماة رسالة وليست تجارة.
لم تكن تدافع عن المعتقلين قانونيا فقط بل نفسيا تعطيهم الأمل بالحياة وبالانسان، كانت تؤمن أن في جهنم يوجد ملائكة ولذلك على السجين ألا ييأس، ويناضل داخل السجن واستثمار من لديهم ولو بعد إنساني بسيط من السجانين، وكانت تضع قضاياهم أمام الرأي العام العربي والأجنبي وكانت صحيفتا "الاتحاد" و "زوهديرخ" منبري الحزب وأكثر المنابر نشرا وفضحا لسياسة الاحتلال ومن خلال كتاباتها التي وثقت لمعاملات الاحتلال وكذلك للمساجين وخاصة كتابيها "بأم عيني" و"أولئك إخواني" الذي صدر عن منشورات صلاح الدين في القدس في أيلول 1976م .
زارت فرعنا وفروعا أخرى وبعد أن القت خطبتها ومحاضرتها التضامنية مع المعتقلين التي أكدت فيها بطولتهم وإنسانيتهم، وسوء معاملة سلطات السجن لها وللمعتقلين وعن أهمية التضامن معهم، ولكنها في نفس الوقت كانت تبعث الأمل بأن الحل العادل سيأتي حتما مهما طال الظلام، وأن قضية سجناء الحرية ستنتصر، كل ذلك في نادي حزبنا الذي كان قائما في الطابق السفلي من بيت السيد عبد القادر صالح أبو هلال (أبو نبيل)، وإذا بجاري تيسير عبد الفتاح الشيخ خليل يسألها عن قريبه الذي تدافع عنه فتطمئنه، وفقط في هذه اللحظة عرفت ما عرفته عن قريبه وأنها محاميته وعرف من عرف من رفاقي وأهل بلدي ممن تواجد. 
بسبب مواقفها كان كل بيت من بيوتنا بيتها، قرأت المقابلات معها وقرأنا كتبها عن المعتقلين والتي يجب مراجعتها للأجيال الشابة. وتابعت أيضا غربتها وأخبارها من الصحافة المحلية وأحيانا ما استطعت الاطلاع عليه من صحافة أجنبية.
"فليتسيا لانغر" توفيت في ألمانيا يوم الخميس 21 حزيران 2018، ولكنها واحدة منا من بناتنا من أخواتنا من رفيقاتنا الماجدات.
ونحن نودعك أيتها المناضلة أيتها الشجاعة أيتها الرفيقة المخلصة، كلنا أمل وكلنا إصرار أن تنتصر قضية شعبنا العادلة أن تنتصر قضية الإنسانية في العدالة الاجتماعية والسعادة البشرية وعدم اضطهاد الانسان لأخيه الانسان والأخوة اليهودية العربية وأخوة الشعوب التي نرى بأمثالك جوهرتها ومثالها ولن نيأس ولن يفل عضدنا ظالم ونؤمن معك أن في السجون وفي النار سنجد الملائكة وسنبحث عنهم في كل مكان.
نحني هاماتنا احتراما وتقديرا لك ولتاريخك العريق ولنضالك المخلص من أجل حقوق شعبنا الذي ما زال يعاني من ألم الاحتلال والقمع والتحريض العنصري، ولكنه سيجد حتما أمثالك في مسيرته، فلك الخلود لك الجنة، ولن ننساك أبد الدهر. 

(عرعرة – المثلث)  

////ص
صورة لمناضلين عريقين: فيليتسيا لانغر، ياسر عرفات وتوفيق طوبي