عندما نتحدث عن حزب سياسي كالحزب الشيوعي في هذه البلاد بمرور 90 عاماً عى تأسيسه، لا بد من مراجعة نقدية لهذا التاريخ الحافل والغني. فقد قيل الكثير عن هذا التاريخ وسيقال اكثر في المستقبل، ولكني اردتُ بهذه المقالة ان أؤكد حقيقتين:
الاولى، ان الحزب الشيوعي هو من نوع الأحزاب التي صنعت الأحداث السياسية المؤثرة، والثانية، هي أهمية كتابة تاريخ السجلّ الحافل لهذا الحزب حفاظاً على الحقيقة التاريخية، ومنعاً لمحاولات "التزوير" وهي كثيرة، او محاولات "التجيير" وهي أكثر.
هنالك ثلاثة انواع من الأحزاب السياسية، محلياً وعالمياً، فالنوع الأول يرصد الأحداث السياسية وينقلها للجمهور الواسع، ووظيفة هذا النوع من الأحزاب هو تصوير الوضع السياسي لا اكثر. والنوع الثاني يرصد الاحداث ويحللها ويلقي الضوء على أبعاد هذه الأحداث السياسية وأسبابها، وهذا النوع من الأحزاب يقوم بتقييم الحدث السياسي من وجهة نظر اكاديمية ومن منظور العلوم السياسية، أما النوع الثالث من الأحزاب السياسية فهي تلك التي "تصنع" الأحداث السياسية بعد ان ترصد الاحداث وتحللها، وتقوم بـ "نشاط" عملي لتغيير المجتمع وإيصاله الى وضع جديد باتباع آلية ثورية حقيقية.
لا يختلف اثنان، لا هنا، ولا في الخارج ان الحزب الشيوعي في هذه البلاد هو من صنع الأحداث السياسية قبيل وبعد نكبة 1948، وكثير من الأحيان سابحاً ضد التيار بجرأة وشجاعة وبحكمة ومسؤولية.
فهل يختلف اثنان ان الحزب الشيوعي هو مَن قاد معركة البقاء بعد النكبة وربح هذه المعركة. وهل يختلف اثنان ان هذا الحزب هو من صنع يوم الأرض الخالد عام 1976، وان هذا الحزب هو من صاغَ المعادلة السياسية الثورية للأقلية القومية الفلسطينية التي بقيت في وطنها، وصان ثقافتها ولغتها وأدبها المقاوم وشعرها الثوري ؟ّ!
عشرات الأبحاث الاكاديمية، محلياً وعالمياً، تطرقت الى فحص وضعية الأقلية القومية الفلسطينية في هذه البلاد، وأغلبية معدّي تلك الأبحاث ليسوا شيوعيين وحتى ليسوا عرباً، وجميعهم أكدوا الحقائق التالية :
أ- من غير الممكن دراسة تاريخ تكوين وصياغة طريق الأقلية القومية الفلسطينية في اسرائيل من دون دراسة تاريخ وأدبيات الحزب الشيوعي في هذه البلاد، صاحب النصيب الأكبر، وفي بعض الأزمنة الوحيد، في صياغة هذه الهوية السياسية.
ب- ان اعتماد التحليل الطبقي كأساس علمي وموضوعي، في مواقف الحزب الشيوعي في القضية القومية والقضايا الاجتماعية أكسب هذا الحزب صحة الموقف الذي دام عشرات السنوات، وتحول فيما بعد لموقف كل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وقيادته الشرعية، منظمة التحرير الفلسطينية. هذا التحليل الطبقي حصّن الجماهير الواسعة من مطبات التعصب أياً كانت، قومجية، عائليّه أو جغرافية.
فاعتماد التحليل الطبقي هو الأكثر وطنية والأكثر صدقاً، والأكثر ديمقراطية، وقبل كل ذلك الأكثر انسانية واخلاقية!
على ما يظهر، فهنالك حاجة ماسة في نشر تاريخ هذا الجسم السياسي المتميز في حياة شعبنا ومنطقتنا، علينا جميعاً الاجتهاد اكثر في كتابة هذا التاريخ، احتراماً للحقيقة العلمية، وصداً لمشروع "التزوير" السلطوي، و"تجيير" هذا التاريخ من قبل دعاة الفكر القومي او الاصولي وكأن التاريخ بدأ من عندهم !