مثلما أن الحكومة اليمينية الاسرائيلية لم تعمل ليل نهار ولم تدفع الملايين لاستقدام لعبة كرة القدم مع منتخب الأرجنتين لأسباب رياضية، بل لغايات سياسية علنية واضحة وفاضحة، فقد كان يجدر بها، وهي التي تعجّ بالمغرورين المتوهمين تفوقًا هائلا في عبقريتهم على كل من عداهم، بأن يتحرك كثيرون أو قليلون في هذا العالم الواسع ضد هذا الحدث، وخصوصا عندما تقرر إجراء المباراة في القدس تحديدًا، فيما يشبه توجيه إصبع وسطى نحو وجه الجميع..
من هذا الباب يُنظر باهتمام الى هذا الحدث وإلغائه، لأنه في خاتمة المطاف قيل لحكومة المتغطرسين الإسرائيلية إن الأمور لا تمشي وفقًا لأهوائكم التوسعية، ولا يمكنكم فرض ما تريدون من استيطان وتعريف ومكانة للقدس التي تسمونها "موحدة" تحت الضم والاحتلال، من طرف واحد. والمأمول ان تترك هذه الصفعة علامات واضحة على الوجوه الكالحة!
لقد صرّحت الوزيرة ميري ريغف المسؤولة - في واحدة من ذروات العبث الميثولوجية الإغريقية! - عن الثقافة، بتلك الغطرسة في أكثر من مناسبة، وبدعم وتنسيق كامل مع زعيم حكومتها بنيامين نتنياهو. مثلا بعد الفوز في مسابقة الأغاني الأوروبية قالت إن استضافتها السنة القادمة في القدس (وفقا لنظام المسابقة) يأتي ليُضاف الى "إنجاز" نقل السفارة الأمريكية، أي أن التسييس هو عنوان وليس مضمونًا مستترًا ما بين السطور! وهذا بالضبط ما أرادوه من مباراة كرة القدم: "دحْش" نصر وهمي آخر في القدس بابتسامات صفراء لا ترى وجودًا وقيمة لشيء إسمه فلسطيني!
لكن هذه المرة لم تكن العتمة على قدر يد الحرامي.. وليس بمشيئة القدر بل بفضل العمل. كان هناك تحرك فلسطيني تمثل بتوجه رسمي لاتحاد الكرة الأرجنتيني وحملة شعبية وتوعوية وربما ضغوط أخرى لم يعلن عنها، كلها أدت الى النتيجة المطلوبة: "واحد-صفر لفلسطين" كما وصفناها هنا، أمس. والمهم هو الخلاصة والمغزى: إنه بالعمل والنشاط والمواجهة وعدم الخشية من رعاة الاحتلال في الحلبات الدولية، يمكن صد غطرسة المحتلين وإفقادهم نقاطًا هامة حتى وإن كانت رمزية فقط.. ففي السياسة هناك قيمة حقيقية للرموز أيضًا!