* التصويب على القاهرة لا يخدم أي غرض سياسي بل هو يتورط بشكل غير مباشر في المشروع الإسرائيلي الذي يقضي بإلقاء عبء القطاع، بعد إحراقه وتدميره، على مصر، لكي تتصرف بأمنه وسياسته واقتصاده، كما كانت تفعل قبل العام ١٩٦٧ *

 

الحملة على مصر تخالف أبسط قواعد المنطق السياسي، وتتعارض مع أهم عناصر المصلحة الوطنية الفلسطينية، ليس فقط في مواجهة الحملة العسكرية الإسرائيلية الراهنة على قطاع غزة، بل في مواجهة أي تحد تواجهه قضية فلسطين، التي كانت القاهرة وستبقى ملاذها الأخير، والعنوان الوحيد الذي يفترض بل يجب أن تقصده إسرائيل، بدلاً من مختلف العناوين العربية والإسلامية الاخرى المنافسة.
وهذا ليس كلاماً عاطفياً أبداً، مع أن مصر في حراكها وفي سباتها، هي طليعة العرب والمسلمين، بل هو كلام سياسي، يخدم الفلسطينيين في هذه اللحظة العصيبة أكثر من أي بلد عربي أو إسلامي آخر، ويضمن وحدتهم الوطنية، ووحدة أرضهم الممزقة بين قطاع يحترق وضفة تغلي، يريد العدو الاسرائيلي أن يفصلهما الى الأبد، ويدفعهما الى الحضن المصري أو الحضن الأردني.. أو أي حضن آخر يبعدهما عن قدسهما.
تسير مصر في هذه الساعات على وتر مشدود أكثر من أي وقت مضى: مثلما يجب ألا تكون مجرد شاهد على المذبحة الكبرى التي يتعرض لها قطاع غزة، لا بد من أن تحرص على ألا تعود الى القطاع، أو أن يعود اليها، بل أن يظل يحافظ على تلك الصلة العضوية بينه وبين الضفة الغربية، مهما بدت تلك الصلة ضعيفة أو حتى واهية.. وان يظل يمسك بذلك الخيط الرفيع الذي يربطه مع إسرائيل نفسها، مهما كان هذا الخيط مشبوهاً أو مهيناً، ويعتمد على تلك العلاقة التي يقيمها التجار الفلسطينيون في غزة مع التجار الإسرائيليين عبر معبر كرم سالم.
كان ولا يزال يمكن لمصر أن تحول مدينة العريش وبقية مدن سيناء الى قاعدة اقتصادية ، أو الى مناطق تجارة حرة، تخدم قطاع غزة وتعوضه عن الذهاب الى اسرائيل. لكن هذا ما لا تريده القاهرة، ولا تبغيه حركة حماس أو أي حركة وطنية فلسطينية تعرف جيدا أن وجهتها الفعلية يجب أن تكون نحو الشمال لا الجنوب، للمحافظة على ذلك الرابط مع العمق الحقيقي للقطاع والمقصد الإلزامي لأهله الذين يجب ألا يفقدوا تطلعهم الى التواصل مع الأهل في الداخل الفلسطيني، والاتصال مع عاصمتهم، حتى المؤقتة منها، رام الله. في الكارثة الحالية، لا يمكن لأي عاقل ان يطعن مصر، متجاهلاً حقيقة أنها الجهة الوحيدة التي يمكن أن تأتي بوقف إطلاق النار بأسرع وقت ممكن، وبأقل كلفة من أي جــهة عربــية أو إســلامية اخرى، وأن كل من عداها متواطئ على الدم الفلسطــيني، أو مساهم في هدره، أو متسامح أمــام ذلك المشــهد المروع في قــطاع غزة، يحصي عدد الشهداء المتوجهين الى الجنة، ويضيــفهم الى حســابه السياسي.

 

التصويب على القاهرة لا يخدم أي غرض سياسي بل هو يتورط بشكل غير مباشر في المشروع الإسرائيلي الذي يقضي بإلقاء عبء القطاع، بعد إحراقه وتدميره، على مصر، لكي تتصرف بأمنه وسياسته واقتصاده، كما كانت تفعل قبل العام ١٩٦٧

عن "السفير" اللبنانية