مع اقتراب يوم الانتخابات البرلمانية للكنيست يزداد الطابع الديماغوغي التضليلي الدعائي للاحزاب الصهيونية بهدف تضليل الجماهير وتزوير اصوات ضمائرهم في صناديق الاقتراع. وبالرغم من جسر هوة كثير من الفوارق في الموقف من القضايا الجوهرية السياسية والاقتصادية – الاجتماعية بين مختلف الاحزاب الصهيونية الا ان قوى اليمين المتطرف بقيادة الليكود وزعامة بنيامين نتنياهو اكثر ديماغوغية وخطرا وعدوانية من مختلف القوى الاخرى في المجالين السياسي والاقتصادي – الاجتماعي. وفي تقييمنا لأي حزب سياسي فانه من الاهمية بمكان الكشف عن هويته وخلفيته الطبقية لان أي حزب يمثل في نهاية المطاف مصالح احدى او بعض الشرائح الاجتماعية اقتصاديا واجتماعيا. ومن هذا المنظور نضع حزب الليكود اليميني المتطرف في ميزان التقييم. ففي يوم الخميس الماضي 22/1/2009 "بشر" رئيس الليكود ومرشحه لرئاسة الحكومة ان لديه خطة اقتصادية "دراماتيكية وثورية" – على حد قوله – لانقاذ الاقتصاد واشفائه من ازمة الركود الاقتصادي ووضعه في طريق الانتعاش والتنمية الاقتصادية. ووضع نتنياهو في مركز "خطته الاقتصادية" تخفيض الضرائب كرافعة لانطلاقة تنم,ية!! وحتى لا تقع الجماهير الواسعة ضحية في هوة السراب التضليلي فان نتنياهو لا يقصد ابدا في خطته تخفيف العبء الضرائبي عن الفقراء ومحدودي الدخل الهزيل الذين لا يدفعون الضريبة لأن دخلهم القليل لا يصل مستواه حتى الى متطلبات الدرجة الدنيا من سلم ضريبة الدخل. كما انه لا يقصد ابدا الجمهور الواسع من العاملين والموظفين الذين يدفعون ضريبة الدخل في الدرجات الدنيا عن سلم الضريبة – 15% و20%.
ان نتنياهو لا يخفي وجهه الطبقي كخادم لمصالح ارباب الرأسمال الكبير والشركات الاحتكارية الكبيرة، ولهذا ليس وليد الصدفة انه طرح خطته امام "اتحاد الصناعيين في اسرائيل" وان في مركز خطته تخفيض الضرائب عن ارباب الرأسمال الكبير من ذوي المداخيل الدسمة، تخفيض ضريبة الدخل في الدرجة العليا من سلم المداخيل، اعلى درجة، من 46% الى 35%، ويجري التخفيض تدريجيا خلال اربع سنوات حيث تنخفض سنويا بنسبة اثنين في المئة، وتخفيض ضريبة الشركات من سبعة وعشرين في المئة الى ثمانية عشر في المئة!!
وفي تعليله للرابطة بين تخفيض الضرائب والتنمية الاقتصادية يلجأ نتنياهو الى الدجل التضليلي حيث يدعي ان تخفيض الضريبة يزيد من الدخل الصافي المحرر لدى المواطن، وزيادة الدخل تؤدي الى زيادة الاستهلاك، وزيادة الاستهلاك تؤدي الى زيادة الاستثمارات والتوظيفات في الاقتصاد والى زيادة وتيرة النمو الاقتصادي، وهكذا تدور العجلة وتواصل دورانها التنموي!!
بطرحه هذا فان نتنياهو لم يتغير وبقي امينا لمنهجه النيوليبرالي الكارثي الذي مارس بموجبه نفس النهج المطروح اليوم في العام الفين وثلاثة عندما كان وزيرا للمالية في حكومة شارون، فحينئذ تضمنت "خطته الاقتصادية – الاجتماعية" تخفيض ضريبة الدخل عن ارباب الرأسمال الكبير والشركات الاحتكارية من 61% الى 46%، ولجأ الى تسريع وتيرة الخصخصة وتسليم اقتصاد السوق مفاتيح الهيمنة وقيادة الاقتصاد على حساب تقليص وتخفيض دور الدولة وتدخلها في العملية الاقتصادية بعد تصفية وبيع العديد من املاكها للقطاع الخاص. وقد اثبتت معطيات الخمس سنوات الماضية من ممارسة المنهج النيوليبرالي حقائق اجتماعية مأساوية. فقد ادى ذلك الى توسيع وتعميق فجوات التقاطب الاجتماعي بين الاغنياء والفقراء في المجتمع الاسرائيلي فقد زادت حصة العشرين الاعليين في رأس سلم المداخيل من تسعة وثلاثين في المئة من الدخل القومي الى اكثر من اربعة واربعين في المئة وانخفضت حصة العُشرين الآخرين في ادنى درجات سلم المداخيل من اربعة وستة اعشار في المئة الى اثنين وعُشر في المئة واصبح عدد لفقراء والذين يعانون معيشة تحت خط الفقر اكثر من مليون وستمئة الف انسان من اليهود والعرب، حيث هنا ايضا تبرز نتائج سياسة التمييز القومي العنصرية المعادية للعرب اذ ان نسبة الفقراء اليهود من السكان اليهود تبلغ سبعة عشرة في المئة بينما تبلغ بين العرب اكثر من ثمانية واربعين في المئة. كما ان من النتائج المأساوية للمنهج النيوليبرالي انخفاض مستوى الخدمات الشعبية للجماهير الواسعة من العاملين وذوي الدخل المحدود بعد تقليص ميزانيات الخدمات الصحية والتعليمية والمواصلات العامة ومخصصات التأمين القومي بعد ان طالتها ايضا الانياب المفترسة للخصخصة.
ان نتنياهو بطرحه خطته الحالية كأنه يعيش في عالم آخر وفي غربة عن الواقع الكارثي الذي يمر به العالم الرأسمالي من جراء المنهج المأساوي الذي يتمسك به نتنياهو، فالاعصار المدمر للازمة المالية الاقتصادية العالمية التي تطال انيابها الاقتصاد الاسرائيلي سببه المركزي الرأسمالية الخنزيرية، الطابع الوحشي للعولمة الرأسمالية التي تقود عجلتها "السوق الحرة" او اقتصاد السوق غير المراقب والمنفلت العقال في لركض وراء تحصيل الحد الاعلى من الارباح. وما يمر به الاقتصاد الاسرائيلي اليوم يناقض بطابع وحقيقة تطوره كل ما يطرحه نتنياهو، فالاقتصاد الاسرائيلي دخل عمليا مرحلة الركود الاقتصادي، أي انخفاض وتيرة النمو الاقتصادي للانتاج القومي وما يرافقه من طرد وقذف عاملين الى سوق البطالة. وفي حالة الركود الاقتصادي فان تخفيض ضريبة الدخل من الرأسمال الكبير لن تكون نتيجته زيادة الاستثمار والتنمية لأنه اولا في مرحلة الركود وزيادة البطالة ينخفض الاستهلاك ويلجأ الجمهور الواسع الى توفير "قرشه الابيض لليوم الاسود"، كما ان تخفيض هذه الضرائب يعني عمليا زيادة عبء وتعميق تطور الركود الاقتصادي اذ يزداد ويتفاقم عجز الموازنة. فتخفيض ضريبة الدخل وضريبة الشركات حسب خطة نتنياهو يعني تقديم هدية لارباب الرأسمال الكبير بمقدار خمسين مليار شاقل عن "رأس الكوم" وعلى حساب مداخيل الدولة من هاتين الضريبتين. وحقيقة اخرى انه بالاضافة الى دخول الاقتصاد مرحلة الركود الاقتصادي فانه يجب الاخذ بالحسبان تكلفة حرب الابادة والجرائم الاسرائيلية ضد الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة ومواصلة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة. وها قد اوقفت الحرب العدوانية ولكن كما يقول المثل الشعبي "الحساب عند زك الصرامي"، فخسائر المعتدي الاسرائيلي تقدر بأكثر من ملياري دولار ستعمل حكومة اسرائيل على نهبها من جيوب الجماهير الشعبية من خلال الموازنة العامة للعام الفين وتسعة الجاري، وفي حالة الركود الاقتصادي، فان الانظمة الرأسمالية اليوم، وخاصة بعد اعصار الازمة المالية العالمية، ولتخفيف حدة وسرعة التدهور تلجأ يا نتنياهو كما يفعل اسيادك عبر البحار في الولايات المتحدة الى محاولة انقاذ الرأسمالية مما آلت اليه الرأسمالية الخنزيرية النيوليبرالية عن طريق اعادة دور الدولة في العملية الاقتصادية وتقديم الدعم وشراء الاسهم للمرافق والمؤسسات المالية الآيلة للانهيار من خزينة الدولة، وزيادة عجز الموازنة لتوفير اماكن عمل ومواجهة البطالة خوفا من الغليان الجماهيري.
ما نود تأكيده في نهاية المطاف ان خطة نتنياهو المطروحة لا تستهدف ابدا مواجهة الفقر المستشري او تحسين معيشة الفئات والشرائح الاجتماعية المسحوقة من العاملين وذوي الدخل المحدود والقليل، ولا تستهدف ابدا التنمية الاقتصادية، بل هدفها المركزي للاستهلاك الانتخابي والتأكيد على حرص نتنياهو والليكود على خدمة مصالح ارباب الرأسمال. وقد اكدنا مرارا، ونعود اليوم للتأكيد، خاصة في الظروف المصيرية التي نمر بها واحتمال ان يقود نتنياهو بعد الانتخابات حكومة كوارث مغرقة في يمينيتها وعدوانيتها، نعود ونؤكد ان المجرم بحق الشعب الآخر، الذي يستبيح باحتلاله وعدوانه وطن وحرية وسيادة الشعب الآخر، هو مجرم ايضا بحق شعبه ومعاد للمصالح الحقيقية لشعبه. ولهذا فانه من الاهمية بمكان رؤية الرابطة العضوية الجدلية بين النضال من اجل السلام العادل الذي في مركزه زوال الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بجانب اسرائيل في حدود الرابع من حزيران السبعة والستين وبين النضال من اجل المساواة والعدالة الاجتماعية وضد سياسة القهر والتمييز الطبقي والقومي وضد العنصرية والفاشية.