كنا نتمنى أن يقدم الأخ إسماعيل هنية تعهداً بالعمل من أجل الوحدة الوطنية ويشدد على ذلك ثلاثاً بدل التشدد الذي سمعناه في عزل الرئيس بعد 9 كانون ثاني "يناير" القادم وبطريقة استفزازية تنم عن ضائقة حماسية وضيق أفق سياسي، مؤكداً أنه يستطيع رفع الغطاء العربي والدولي عنه حين أردف بعد حديثه عن الشرعية وافتقادها بعد ذلك التاريخ بأن هذا المنع الحمساوي سيكون على الرغم من الغطاء العربي والدولي، ولا أعرف من أين يستمد الأخ هنية شرعيته في قول ما قال، ولماذا لم يستغل الفرصة وهو يتحدث مع عشرات الآلاف ليهدىء الجو بين الشقيقتان فتح وحماس فيثبت أنه أقرب إلى الله وإلى الحق والأكثر تسامحاً مع الشقيق وشريك الدم؟.
لم أشأ في السابق أن أدخل في قصة الشرعية بمعناها القانوني أو الدستوري لأنني كنت أعتبر كل حديث عن ذلك لغو وخداع للذات ونحن تحت الاحتلال وباعتباري ما زلت أتمسك بما اصطلحنا عليه في الساحة الفلسطينية وهو شرعية المقاومة أو الشرعية الثورية والتي تعني اكتساب الفصيل أو الحركة شرعيتها أمام الناس من خلال إطلاقها النار على العدو الإسرائيلي، وحتى وقت قريب كان ذلك هو مفهوم حماس للشرعية وكنا نتمنى أن يبقى كذلك.
ربما يعرف الإخوة في حماس أن شرعية السلطة كلها على محك الاحتلال أو بالأحرى على حاجز يتحكم به شرطي إسرائيلي، ومن هنا لم يكن من المناسب أن يتم تخريب مناسبة مفترض أنها طيبة كانطلاقة حماس في تصريحات عنترية لا تجدي نفعاً بل تضر بالمصلحة الوطنية وتؤجج الخلاف، وربما لو انتبه الأخ هنية للتصريحات العنصرية للسيدة ليفني التي يبادلها التهدئة حول ترحيل أهلنا من الداخل لغزة والضفة لتوقف عن قول ما قاله حتى لو كان صحيحاً ومنطقياً وهو ليس كذلك في كل حال. إن منظمة التحرير الفلسطينية لا زالت المرجعية الشرعية لكل نضالنا الوطني ولكل حركتنا السياسية ولا يغير هذه الحقيقة وجود من لا نحبهم أو نعترف بهم على رأسها وإن كانت المنظمة قد استغلت بطريقة خاطئة من أهل أوسلو فإن الطرف الآخر المناهض لأوسلو عليه استرجاع المنظمة من أيدي هؤلاء بطريقة شرعية أجمعنا عليها كلنا وهي الشرعية الثورية أي بالاشتباك مع العدو والقيام بما يتوجب علينا القيام به في هذا المضمار وليس بالمماحكات والخطابات العنترية المضرة. ولو سألنا الأخ هنية ماذا لو رفعنا الشرعية عن السيد محمود عباس كرئيس للسلطة؟ وما الحكمة والفائدة من ذلك بالمعنى الوطني؟ وبالمناسبة لست من المحبذين لبقاء عباس على رأس السلطة حتى لا يقول أحد المشايخ ممن نعرف أسلوبهم الفج بأننا نماليء الرجل أو ندافع عنه، ذلك أن من ساهم في نجاح الأخ أبومازن كرئيس للسلطة هي حماس بالذات ولا أحد غيرها.. فسبحان مغير الأحوال.
منظمة التحرير الفلسطينية منحت السلطة شرعيتها ومن يرغب في حل السلطة ليست هذه هي الطريق لذلك أيها الإخوة في حماس. وما دمتم تتحدثون عن الشرعية فدعوني أخبركم بأن لا أحد شرعي من وزراء غزة أو الضفة وتبقى الشرعية واعتراف كل العالم بها مقتصرة على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بغض النظر عن رأي حماس في هذا الأمر.
إن أفضل طريقة لعودتنا لمربع المقاومة الذي تتحدث عنها حماس منذ توليها السلطة ولا تمارسها هو عودة الوحدة الوطنية وهذه لا يمكن أن تأتي من خلال الضغط والضغط المقابل ولا من خطابات عرمرمية هنا أو عنترية هناك، بل من خلال فهم عميق للمصلحة الوطنية والتزام أعلى تجاه قضيتنا واحترام أكبر للشهداء ولكل تضحيات شعبنا، ولتطمئن حماس بأنه لا إمكانية أمام أي قائد أن يتنازل عن حقوق شعبنا طالما هناك أمهات فلسطينيات يلدن وطالما هناك كتائب تحمل السلاح ولا داعي لخلق فزاعات وهمية لتبرير سياسة التشدد للحصول على المكاسب الفئوية، وهو ذات ما نقوله للإخوة في فتح أصحاب المشروع الوطني.
إنني أتمنى على قادة حماس أن يستخيروا الله في أمر شعبنا ومستقبله وأن يختلوا بأنفسهم ليشاهدوا بصفاء ماذا حل بنا منذ استيلائهم على السلطة في غزة ومنذ تورطهم في تشكيل حكومة أوسلو بلون أخضر رغم نصائح المحبين لهم بالابتعاد عن هذا المربع الكمين. إنني أرجوهم أن يقولوا لشعبنا نتيجة خلوتهم هذه مع ربهم ومع ضمائرهم ونحن ننتظرهم وسنقف كلنا معهم إن تقدموا للأمام غير هيابين من أجل المصالحة وسندعم كل طلباتهم الشرعية ونحن نعرفها، كما نهيب بهم دخول منظمة التحرير الفلسطينية من غير شروط وفيها يصلحون ويغيرون ومعهم كل مخلص لشعبه وقضيته وهم الأغلبية. تقدموا أيها الإخوة وتوقفوا عن صب الزيت على النار فالظرف عصيب والشعب يتوقع منكم المبادرة الطيبة وليس الاستنكاف وطرح الشروط وهو في انتظاركم.