اخط هذه الكلمات يوم السبت الثالث من شهر كانون الثاني الحالي والثامن من عمر المجزرة الدموية المتواصلة، حرب الابادة وجرائم الحرب التي يمارسها المحتل الاسرائيلي ضد شعبنا في قطاع غزة المحاصر، وما نأمله ان يرافق موعد صدور هذه المقالة في صحيفة "الاتحاد" نجاح الصمود البطولي لشعبنا المقاوم في غزة هاشم ومكابس الضغط الدولي المشحونة بالمظاهرات الشعبية الصاخبة التي تجتاح مختلف بلدان وقارات العالم في هزيمة المعتدين ووقف نزيف دم الحرب الهمجية ورفع الحصار وفتح المعابر عن "جيتو" معسكر الاعتقال والجوع والمرض والموت الجماعي في قطاع غزة، وشتان ما بين التمنيات ومعطيات الواقع، فمعطيات الواقع تؤكد اننا نتعامل على ساحة الصراع مع مجرم عقائدي سياسي لا يؤمن الا بشريعة الغاب الهمجية في تعامله مع الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه الوطنية الشرعية. فرغم الضغوطات الدولية والعديد من الدعوات والمبادرات العربية والدولية التي تطالب المعتدي الاسرائيلي بوقف حربه الاجرامية على قطاع غزة الا ان حكومة اولمرت – براك – ليفني ترفض وتلجأ الى التهرب من خلال تسويق اكاذيب تضليلية خادعة لتبرير مواصلة ارتكاب جرائم الحرب ضد البشر والحجر والشجر في قطاع غزة، مثل الادعاء ساعة انها لن توقف الحرب الا بعد تغيير الواقع الامني في الجنوب الاسرائيلي، أي بعد القضاء على مصادر اطلاق الصواريخ الفلسطينية وساعة اخرى انها لن توقف الحرب الا بعد القضاء على سلطة الارهاب الفلسطيني، على حماس ومختلف فصائل المقاومة الفلسطينية، ولهذا يجري النقاش داخل المؤسسة السياسية والعسكرية حول اشراك او عدم اشراك القوات البرية المحتشدة بقوات هائلة على حدود القطاع، ومدى عمق الاجتياح البري، هل يكون محدودا ام اجتياحا كليا يعيد احتلال القطاع من جديد!!
مع بدء الحرب الاجرامية حاولت حكومة الكوارث والعدوان الاسرائيلية الادعاء ان وقف التهدئة من قبل سلطة حماس في القطاع في التاسع عشر من شهر كانون الاول الماضي ومواصلة اطلاق الصواريخ على سديروت وغيرها من المستوطنات في الجنوب الاسرائيلي السبب في اشعال نار الحرب. وفي مقالة سابقة اكدنا ان خرق التهدئة ونسف قواعدها هو المحتل الاسرائيلي كان الذي فرض الحصار الاقتصادي والتجويعي واغلق المعابر على "جيتو" غزة، اضافة الى جرائم القتل والاستيطان والاعتقالات في الضفة الغربية. وحبل الكذب قصير او كما يقال و"يأتيك بالاخبار من لم تزود"، ففي ملحق صحيفة "يديعوت احرونوت" الاسبوعي يوم الجمعة 2/1/2009 كشفت الحقيقة التي تقول "ان خطة الجيش لاجتياح غزة تبلورت في قيادة المنطقة الجنوبية عام الفين وستة"، وان قائد المنطقة الجنرال زئيف غلانت حضرها سوية مع قائد الجيش الجوي الجنرال اليعازر شكيدي ومع قائد كتيبة غزة الكولونيل تشيكو تمير. وانه بدأ العمل على هذه الخطة في مرحلة القائد العام السابق للجيش دان حلوتس.
وكانت خطة العملية مبنية على اساس التكامل والجمع من عدد كبير من الطائرات المهاجمة والمروحيات والقوات البرية!! وفي تموز كان تمرين متكامل (مناورات) على هذه الخطة، في الشتاء اوقف العمل بهذه الخطة وفي آذار الفين وثمانية جرى من جديد التمرين والمناورات وفق هذه الخطة بمشاركة القوات الجوية والدبابات والقوات البرية، وذلك عندما اصبح غابي اشكنازي قائدا للجيش بدلا من حالوتس وعيدو كوشتان بدلا من شكيدي وايال ايزنبرغ بدلا من تمير!
والظاهر ان تأجيل شن الحرب على قطاع غزة تحت يافطة محاربة "الارهاب" وبالتنسيق مع ادارة بوش واليمين المحافظ وبعض الانظمة والقوى العربية "المعتدلة" والمتواطئة مع الخطة العدوانية المرسومة، تأجيل هذه الحرب الى الموعد الحالي يعود حسب رأينا الى عدة اسباب، اولها، التأثير السياسي والنفسي على هزيمة الحرب الاسرائيلية الامريكية على لبنان، فعقدة هذه الصدمة جعل المحتل يفكر مرتين قبل الاقدام على مغامرة في غزة تكون نتيجتها تكرار الهزيمة المرة في لبنان، وثانيها، انتهاج وسائل اخرى غير الحرب وتحت يافطة وذرائع عدم التعامل مع حكومة حماس التي نجحت في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية وعزلها وبلورة تحالف الانظمة العربية المعتدلة المدجنة امريكيا – اسرائيليا ضد تحالف الانظمة "المتطرفة والمارقة والارهابية" ايران وسوريا وحزب الله وحماس والجهاد الاسلامي وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية، وقد استهدف تحالف العدوان الامريكي – الاسرائيلي من وراء هذا التقسيم اقامة الشرق الاوسط الكبير المدجن امريكيا وتكريس تفتيت وحدة الصف الوطني الفلسطيني لابتزاز الفلسطينيين سياسيا بمصادرة العديد من ثوابت حقوقهم الوطنية وخاصة القدس وحق العودة ومنع قيام دولة فلسطينية غير طبيعية ومنقوصة السيادة وغير قابلة للحياة والتطور، اشبه بمحمية استعمارية، ولتحقيق ذلك عقد مؤتمر انابوليس تحت رعاية بوش، واجلت الحرب على القطاع، وفي الثامن عشر من شهر حزيران الفين وسبعة نفذت حركة حماس انقلابها العسكري على الشرعية الفلسطينية واستولت على السلطة في قطاع غزة وفي وقت عاد فيه مجرم الحرب رئيس حزب "العمل" ايهود براك الى وزارة الامن، ومع تسلمه وزارة "الامن" بدأ وحكومته ارتكاب جريمة العقوبات الجماعية بفرض الحصار التجويعي والاقتصادي على قطاع غزة واغلاق المعابر لحشر مليون ونصف مليون فلسطيني في معسكر اعتقال جماعي يعانون من الجوع والبطالة والامراض والموت البطيء، لقد ادعى براك وحكومة الاحتلال في حينه ان الحصار سيطيح بحكم حماس في القطاع حيث ان انتشار المجاعة والبطالة والفقر وظلام الليل والقتل كل ذلك سيؤدي الى تفاقم وانفجار نقمة الشارع الفلسطيني ضد حماس والى تصاعد "الفوضى الايجابية" واتساع المقاومة في القطاع لاسقاط حماس. كما استهدف المجرمون المحتلون من الظروف المأساوية لحصار القطاع ترسيخ اقدام الانقسام الكارثي بين السلطة الفلسطينية وسلطة حماس، بين الضفة والقطاع واستغلال هذا الوضع لتوسيع رقعة الاستيطان في الضفة والقدس الشرقية ومنع قيام دولة فلسطينية على كامل التراب المحتل منذ السبعة والستين، ولكن حسابات السرايا ليست كحسابات القرايا فحصار الجوع والعطش والمرض خلال ستة اشهر لم يكسر ظهر المقاومة وزادت نقمة الشعب الفلسطيني على المحتل وجرائمه وعلى حالة الانقسام الفلسطيني والتواطؤ العربي الرسمي والصمت العالمي المعيب.
وفشل الحصار في تحقيق الاهداف السياسية لتحالف العدوان الاسرائيلي – الامريكي والتواطؤ العربي معه كان من العوامل الاساسية لتجسيد الخطة الاجرامية المرسومة منذ سنة الفين وستة. ويدرك المجرمون الجزارون، ومن فشلهم في لبنان، انه لا يمكن حسم المعركة عسكريا من الجو بالرغم من مشاركة احدث طائرات القتل والتدمير الامريكية، وحقيقة هي انه قد مرت ثمانية ايام من القصف المتواصل لطائرات المجرمين ليلا ونهارا، مجزرة ومحرقة على ارض شعب عصي على الهزيمة والخنوع، مئات القتلى والجرحى من الاطفال والنساء والمسنين والمقاومين، ولم تحسم المعركة بعد، وقوى الاحتلال السياسية والعسكرية مرتبكة، في حالة "حيص بيص" وبلبلة، هل تعطي الضوء الاخضر لبدء تحرك القوات البرية بدخول القطاع ام لا، وهل ستجتاح كل القطاع ام مساحة محدودة تساعد على املاء شروط تهدئة جديدة لصالحها. المحتلون في حيرة، ادعوا انهم سيوقفون اطلاق الصواريخ الفلسطينية وجرائمهم في غزة زادت من عدد الصواريخ الضاربة للعمق الاسرائيليين، ولترددهم في اشراك القوات البرية في الحرب العدوانية عدة عوامل اهمها، الخوف من ان تكون التكلفة غالية جدا بسقوط عدد كبير، مئات من القتلى والجرحى الاسرائيلية وان يطول امد الحرب ولا يحصد المعتدي من ورائها سوى الهزيمة، ان تكون النتيجة نسف مقولة براك حول معادلته "التكلفة مقابل الفائدة" أي لا يهم دفع الثمن الغالي بعدد كبير من القتلى اذا كانت النتيجة تحقيق الاهداف السياسية!! ومن عوامل التردد خوف المحتل من أن يؤدي هول جرائم قتل المدنيين الفلسطينيين باعداد كبيرة وجرائم الارض المحروقة الى ضرب مكانة اسرائيل عالميا، ادانتها وعزلتها دوليا، كما يتخوف المحتل وسنده الامريكي من ان تؤدي مواصلة المذابح الوحشية التي يرتكبها المحتل في القطاع الى اهتزاز وسقوط انظمة وعروش عربية من "المعتدين" وذلك من جراء تصاعد هبة شعوبهم الناقمة على تواطئهم مع المعتدلين الاسرائيليين، ولهذا يجري الحديث باتجاه عملية برية محدودة النطاق وحصيلة الحاصل فاننا على ثقة بان مصير هذه الحرب الاجرامية هو الفشل الذريع في تحقيق اهداف مفجريها، ولن يكون مصير الشعب الفلسطيني سوى الحرية والدولة المستقلة.
في هذا الجو المشحون باجماع "قومي" صهيوني متغطرس مؤيد وبحماس لحرب الابادة في قطاع غزة تنشرح القلوب لسماع اصوات جريئة تسبح ضد تيار المغامرة والتهلكة والعدوان، فاضافة الى الموقف الشجاع المندد بهذه الحرب من الشيوعيين والجبهويين وحلفائهم والمطالب بوقفها فورا، اضافة اليهم بدأت تسمع وبقوة بعض الاصوات اليسارية التقدمية الشجاعة المعادية لجريمة الحرب الجديدة ويبرز من بين هؤلاء الكاتب الصحفي والشخصية اليسارية المعروفة ب. ميخال من صحيفة "يديعوت احرونوت" حيث كتب في ملحق الجمعة 3/1/2009 تحت عنوان "حرب براك" محملا رئيس حزب العمل ايهود براك جزءا كبيرا من مسؤولية المغامرة الحربية، فتاريخه العدواني اسود من الزفت، خاصة في عدائه للشعب العربي الفلسطيني وحقوقه الشرعية. وبراك محراك شر فرض الحصار على قطاع غزة وفتح الحرب الجديدة. وان الفشل سيكون مصير هذا العدوان. وفي مقالته يطالب: "1. ازالة الحصار عن غزة 2. التفاوض مع حماس 3. وقف الاستيطان واخلاء المستوطنين 4. هدم جدار الفصل العنصري 5. اعلان الاستعداد للانسحاب الى حدود السبعة والستين 6. الاستعداد لتقسيم القدس 7. تخصيص الاموال الموفرة من انهاء الاحتلال لمساعدة الدولة الفلسطينية في سنواتها الاولى". تحية لك ولجميع القوى التقدمية اليهودية.