news

قمّـة الكويـت: إمـا المصالحـة او أنهـا آخـر القمـم

يأتي القرار الإسرائيلي بوقف إطلاق النار في غزّة من جانب واحد، قبل ٤٨ ساعة فقط من انعقاد القمة العربيّة في الكويت على هامش القمّة الاقتصاديّة المقررة سلفا. وتأتي زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى بيروت بعيد ساعات من إبرام الاتفاق الأمني في واشنطن بين وزيرتي الخارجية الاميركيّة كونداليسا رايس، والإسرائيليّة تسيبي ليفني حول ضمان وقف تهريب الصواريخ الى المقاومة الفلسطينيّة في غزّة، وأيضا قبيل ساعات من عودة »الملف الغزّاوي« برمته الى مجلس الامن للنظر في كيفيّة وضع القرار الدولي ١٨٦٠ موضع التنفيذ. ويأتي كلّ ذلك قبل ٧٢ ساعة فقط من حفل تنصيب الرئيس الأميركي باراك أوباما، وكأن المطلوب تهيئة المسرح العربي ـ الإقليمي كما يجب، وإنجاز كلّ الترتيبات اللازمة كي يدخل الفارس الأسمر على صهوة جواد الهالة والقوة والنفوذ الى البيت الأبيض، والأنام في لحظة هدوء تام.
وتفيد مصادر دبلوماسيّة عربيّة بأن العدوان الإسرائيلي على غزّة قد فضح هشاشة التضامن العربي، ونكأ معه هذا الورم الظاهر في وجه التضامن العربي، لتتكشف النتيجة عن ما نشهده اليوم من قمم ومحاور وعصبيات وكيديات، وأيضا من تداخلات في الأحجام والأوزان والخيارات، وكأن الجميع قد دخل برج بابل، فيما المطلوب الآن هو إخراج الجميع من هذا البرج بهدوء وتروّ، وبأقل الخسائر الممكنة.
وفي رأي المصادر، فإن وقف إطلاق النار من جانب واحد في غزّة، هو عنوان ساخن، وسيحظى باهتمام خاص انطلاقا من الاتفاق ما بين ليفني ورايس في واشنطن، وفي ضوء ما يجري في القاهرة بشأن المبادرة المصريّة، وأخيرا في ضوء ما جرى ويجري على مستوى الملوك والرؤساء من قمّة دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، الى القمة التشاوريّة في الدوحة، الى القرارات والتوصيات التي صدرت عنهما، ومن دون إغفال ما قرره وزراء الخارجيّة العرب في الكويت من خطوات وتوصيات قد يتضمنها البيان الختامي الذي سيصدر عن القمة الاستثنائيّة المقرر عقدها على هامش القمة الاقتصاديّة.
إلاّ ان موضوع غزّة على الرغم من أهميته وأولويته لا يمكن ان يحجب خطورة التحديات الماثلة، والتي يترتب على قمة الكويت مواجهتها، قبل ان تصبح الدول العربيّة أشبه بأجرام صغيرة تدور في فلك الثلاثي المتمكّن في المنطقة: التركي والايراني والاسرائيلي...


أما التحدي الأول: فيتمثّل بمؤسسة الجامعة العربية وميثاقها، اللذين يواجهان خطرا مصيريّا، وما أعلنه الأمين العام عمرو موسى الجمعة الماضي على هذا الصعيد لا يستهان به، وما لم يبادر الملوك والرؤساء العرب الى عقد قمّة مصارحة ومصالحة في دولة الكويت للترويح عمّا في القلوب، وما تختزنه الصدور من ترسبات وكيديات، وما لم يبادروا الى نبذ خلافاتهم والحساسيات المتفاقمة في ما بينهم جانبا، والتفاهم على العودة الى البيت العربي »جامع الكل، وضامن الجميع«، للتصرّف في ضوء المواثيق المبرمة، واحترامها، فإن قمة الكويت قد تكون آخر قمة عربية جامعة شاملة يعقدها الملوك والرؤساء العرب، ويخشى في هذه الحال ان تكون المؤامرة قد حققت أهدافها في ظلّ الضغط الإقليمي ـ الدولي الذي يمارس منذ سنوات، والرامي الى إنهاء دور الجامعة العربيّة، والاستعاضة عنها بجامعة إقليميّة تحتلّ فيها كلّ من إسرائيل وإيران وتركيّا الدور الوازن والمؤثر.
ويتمثّل التحدي الثاني بالمصالحة الفلسطينيّة ـ الفلسطينيّة، وعلى قاعدة ان حماس يفترض ان تكون شريكا في السلطة لا شريكا مع السلطة، وان يصار الى تشكيل حكومة وحدة وطنيّة على غرار ما في لبنان، لمواكبة التحديات المصيريّة التي تواجهها القضيّة الفلسطينيّة.
والتحدي الثالث يتمثّل بوجوب إجراء قراءة صريحة هادئة ومتأنيّة لكل ما جرى من اتصالات ومعالجات منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزّة، لمعرفة ما يحوي الاتفاق الامني الإسرائيلي ـ الاميركي الذي وقعته ليفني ورايس من مضامين، وأيضا مضامين المبادرة المصريّة حول غزّة، ومدى ملاءمتهما والقضيّة الفلسطينيّة، والحقوق المشروعة، خصوصا ما يتعلّق بحق عودة اللاجئين، ومصير حدود الـ،٦٧ والوضع النهائي لمدينة القدس.
ومما لا شكّ فيه ان هذه التطورات قد حجبت الانظار عن الزيارة التي قام بها الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى بيروت، وخلاصتها أنها لم تكن لمراجعة الماضي بل لمقاربة تحديات المستقبل، وكيفيّة مواجهتها انطلاقا من الحرب على غزّة، وما يمكن ان تتركه من تداعيات على الساحتين الفلسطينيّة والإقليميّة، الى ظاهرة الصواريخ المجهولة الهوية باتجاه إسرائيل، الى المراجعة المتأنيّة للقرارات الدوليّة بدءا بالقرار ،١٧٠١ وصولا الى القرار ١٥٥٩ وما تحقق في ضوئه على مستوى العلاقات بين لبنان وسوريا، إن ما يتصل بوقف التهريب والتسلل عبر الحدود، او بإقامة العلاقات الدبلوماسيّة، او بمزارع شبعا، او بترسيم الحدود وملف المفقودين، وصولا الى القرار ١٥٩٥ الخاص بالمحكمة ذات الطابع الدولي، والإصرار على انطلاقتها مع مطلع آذار المقبل. واستنادا الى مصادر متابعة فإن بان كي مون كان مرتاحا لما شاهد وسمع خلال زيارته، وأعطى تطمينات حول التعاون القائم ما بين الامم المتحدة ولبنان لمعالجة الملفات العالقة، لكنه دعا الى أكبر قدر من الهدوء والحذر والتعقل والحكمة في التعاطي مع التطورات والمستجدات لأن لبنان ـ كما نقل عنه ـ »ما زال على خطّ الزلزال الذي يضرب عنيفا في المنطقة«، واعتقادا منه »ان مرحلة ما بعد العدوان على غزّة لن تكون مماثلة لمّا كان قبلها«.