منذ اليوم الاول لوجود السلطة الوطنية الفلسطينية فوق الارض والوطن وعلى جزء منها، اعتبرناها مكسبا على طريق التحرر والدولة المستقلة، وان علم فلسطين اصبح يرفرف بألوانه الاربعة وفي امكنة عديدة في الهواء الطلق وعلى الارض المحررة وعلى سفوح التلال والجبال المحررة من قبضة الاحتلال وسوائبه الداشرة وفي المحافل الدولية والعالمية، لذا فامتنعت من يومها ولغاية الآن عن توجيه اللوم او اي انتقاد او اتهام. كنت ارى الامور بمنظار ان كل شيء هو افضل بكثير من بقاء سلطة الاحتلال ودواشر المستوطنين. واذا كانت فسحة الامل وهواء الحرية مع سلطة وطنية مع قليل من النواقص هنا وهناك، يتم السير قدما باتجاه التحرر الكامل وبناء اسس الدولة التي طال انتظارها على احر من الجمر الاحمر، بالرغم من سيلان وتدفق نزيف الدم بغزارة، كعربون لهذه الدولة المتداولة فلسطينيا وعربيا ودوليا.
لكن ان تتحول السلطة الفلسطينية الى كرباج لقمع التحرك والحراك الشعبي الاحتجاجي على امر ما، فهذا قمة الانهيار للاخلاق الوطنية وخدمة للاحتلال واليمين الفاشي والعنصري في تبديد الحلم والمشروع الوطني الفلسطيني وقبره الى الابد. ان تقوم قوات الامن الفلسطيني التابعة لسلطة الرئيس محمود عباس بدور قوات الاحتلال في القمع ورش الغاز وتفريق المحتجين والاعتقال والضرب، هذا معناه ان المهمة التحررية والمساندة لهذه القوات قد انتهت قبل احراز قضية تحرير الارض والشعب، وانتقلت لخدمة اهداف الاحتلال واجهاض العملية التحررية ومساندة قوات الاحتلال في اعادة بسط نفوذها على كامل التراب الفلسطيني، مما يعني ان ما يسمى السلطة الوطنية ما هي الا وسيلة لتجديد واطالة امد الاحتلال وليس للتخلص منه.
لقد حوصر القائد الرمز واول رئيس للسلطة الفلسطينية ياسر عرفات في مقر اقامته في رام الله عندما كان يقول لا لامريكا، لا للاحتلال، نعم للتحرر. ومؤكد انه استشهد وقتل لمواقفه الرافضة للمشاريع التصفوية والمؤكدة ان الشعب الفلسطيني والدفاع عن طموحاته واهدافه في التحرر والاستقلال هو فوق كل الحلول والمشاريع، وهو اكبر بكثير، أي الشعب، من اي زعيم او رئيس سلطة يدير ظهره لمبادئ واهداف ومستقبل هذا الشعب في التخلص من الاحتلال. لذا فضل الشهادة والاستشهاد وليس الانحناء والاستسلام والخنوع لسياسات الثالوث الدنس الاسرائيلي – الامريكي – السعودي بفرض "السلام" الامريكي الذي هو معناه الحرفي الاستسلام والقبول في تفتيت المشروع الوطني التحرري للشعب الفلسطيني.
على ما يظهر وضمن وتيرة التناغم الاسرائيلي الامريكي الخليجي في تنفيذ وفرض صفقة القرن الاستسلامية يجري العمل على كيفية تجنيد السلطة الفلسطينية في القبول بها وتنفيذها لصالح اجندة وسياسات، يسعى المحور الامريكي الاسرائيلي العربي الرجعي الى الاقرار بها وتنفيذها وعلى رأسها ابقاء الحقوق الفلسطينية الثابتة وحصرها ضمن محور التلم المذكور وأنصاف الحلول الاستسلامية المطروحة، ومنها المحافظة على وجود السلطة الفلسطينية في ادارة شؤون الفلسطينيين اليومية والحياتية فقط، بعيدة كل البعد عن الحقوق السياسية الوطنية والتحررية مما يعني قتل الطموحات الجماعية والسيادية في التحرر والاستقلال لمجموع ابناء وبنات الشعب العربي الفلسطيني، حتى لو ادت الى مجابهة بين قوات السلطة القمعية والجماهير الفلسطينية الغاضبة؛ فهذه الجماهير غاضبة على تعثر وتأخير انجاز الوحدة الداخلية واستعادة المصالحة الوطنية، وعلى اداء المحسوبيات واستمرار الحصار وسوء الادارة والعلاقة غير الطبيعية بين غزة المقاومة للمشاريع وبين الضفة الغربية واهمال قضايا محورية في مسيرة الشعب الفلسطيني التحررية وعلى رأسها ملفات مهمة بدءا من قضية الاسرى والحصار واعادة البناء والمشروع الوطني والاستيطان والقدس والقضايا الادارية.
ان تاريخ انتهاء السلطة الفلسطينية قد حان ما لم تتجدد وتتسلح بسياسات جديدة وتتحرر من قيود امريكا وتل ابيب والرياض، على ان تعود للشعب ومن الشعب، فإن الشعب الفلسطيني هو صاحب القول الفاصل واليوم ليس مطلب وجود السلطة ام عدمها وانما تحقيق مطلب الهوية المستقلة وقيام الدولة التي طال غيابها، عبر انجاز الوحدة ثم الوحدة ثم الوحدة التي هي صمام الامان لتحقيق المطالب الاخرى وباشراك الجماهير التي هي من يصنع النصر القادم وتحقيق الغايات المرجوة.
(كويكات – ابو سنان)