news

عطفا على قطة عسقلان...

من يذكر القطط في الحروب المدمرة؟
من يلتفت الى الحيوانات المجردة تماما من السلاح، الى الكلاب، الى الدجاج في القن أو في ساحات البيوت، الى حمار يجر عربة فتصيبه قذيفة، الى عنزة ترعى في الوعر فيتساقط عليها الفوسفور الأبيض؟
هل هي عبثية الحروب المدمرة أن الضحية تعجز عن رعاية أطفالها والقاتل يجد الوقت ليحكي عن قطته؟
جاء ذلك في برنامج اخباري للقاتل في يوم قصفت فيه عسقلان (عفوا، لم تقصف، سقط عليها صاروخ أو اثنان..غزة هي التي كانت تقصف) أصاب الصاروخ بناية من أربعة طوابق..العائلة التي سكنت في الطابق الرابع هربت عند سماع صفارة الانذار والطفلة اليهودية أصيبت بالهلع فنقلت الى المستشفى، لكن يبدو أن ما أضاف هلعا على هلعها هو مصير قطتها التي تركتها في البيت تحت القصف...بكت الطفلة وطلبت أن يحضروا لها قطتها، اتصل أهلها بالبلدية وطلبوا أن يعرفوا ما مصير القطة التي ظلت في البيت. أمرت البلدية موظفيها بأن يتوجهوا حالا الى البيت للبحث عن القطة فسارعوا لتأدية المهمة الانسانية – الحيوانية ،  وفي زاوية من زواياه عثروا على القطة. كانت منقبضة على نفسها وترتعد خوفا ولا تحرك ساكنا. تقدموا منها وهم يتحدثون اليها لطمأنتها، ثم حملها موظف يبدو انه الخبير في معاملة القطط وصار يمسد شعرها المتسمر خوفا. القطة لم تصب بأذى ، كما قال المراسل فرحا شاكرا الله، أصيبت فقط بخدش صغير في أنفها. أخذها الى الطفلة في المستشفى . أطمأنت وهدأ روعها وتبدد خوفها وانصرفت العائلة لمعالجة خدش القطة، (وقد يوصي الأطباء بأن تنقل الى مستشفى القطط). وبهذه النهاية السعيدة انتهى الخبر في الاذاعة الاسرائيلية.
سيكون مثيرا للتقزز المقارنة بين قطة عسقلان وأطفال غزة المذبوحين.
 لا، لا مكان للمقارنة، لأنه لا مكان للمقارنة بين القاتل والضحية، مثلما أنه لا مكان للمقارنة بين القسام والفوسفور الأبيض ، ولا مقارنة بين من يجد سريرا في مستشفى لقطة خدش أنفها  وبين من لا يجد سريرا لمصاب مبتور الساقين.
أطفال القاتل يصابون بالهلع أما أطفال الضحية فلا يعرفون الخوف ولا يذكرون في نشرات الأخبار.
هكذا تقول معادلة الحرب بين من يملك آلة التدمير وبين من يملك الحق في الحياة.
كل فرد في محيط القاتل هو عالم قائم بذاته وأما القتلى في الطرف الآخر فهم أرقام، مجرد أرقام، يصبح الواحد لا شيء أمام العشرة، والعشرون لا شيء أمام الخمسين، والمائة لا شيء أمام الألف.
كل ما يفعله القاتل في زيادة الأرقام هو رفع منسوب البلادة. والبلادة هي المناخ الأفضل للبدء "بالحل النهائي".
 كلما زاد العدد نقصت قيمة الرقم الأصغر لأن في الطرف الآخر بشرا لا تقاس قيمتهم بقيمة قطط أطفال القاتل، ولا بد أن يقال لنا بعد انتهاء الحرب، بتقرير اذاعي آخر، أن الطفلة من عسقلان يؤنبها ضميرها لأنها تركت الطفلة وحيدة في البيت، وفي غزة لا أحد يؤنبه ضميره لأنه ترك الأطفال في العراء.
أربعة أطفال ظلوا ثلاثة أيام فوق جثث أمهاتهم، في الجوع والعطش والعتمة، ولم تسمح الدبابة لموظف بلدية ولا لطبيب الاسعاف ولا لصليب أحمر ولا لهلال أحمر ، بأن يأتوا اليهم.
 ظلوا يرتعدون خوفا.
كان الجنود خلف الدار، ألم يسمعوا البكاء؟ ألم ينصتوا الى انين وحشرجة؟
أطفال ألقاتل عادة من  الملائكة.. والآخر ليس له أطفال.
ألآخر له شياطين، يرضعون ويحبون ويلعبون على الرمل ولكن ليس عندهم قطط يعطفون عليها عندما يصابون بالهلع.
ستنتهي الحرب وتعود الطفلة من عسقلان بسلام مع قطتها الى البيت في الطابق الرابع، ولكن الى أين سيعود الأطفال الذين قتلت أمهاتهم وآباؤهم وأشقاؤهم ودمرت بيوتهم ومدارسهم؟
سيبحثون عن مكان آمن، عن مكان كان يوما لهم، وكان هناك بيت لهم، وكانت لهم قطط وكلاب يعطفون عليها.
عندما تسقط معادلة الحرب، لن يجدوا مكانا آمنا الا في عسقلان.