إذاً بتنا نعرف الآن أنّ أسامة بن لادن، الذي يبلغ طوله 193 سنتيمتراً، بقي على قيد الحياة في عهد جورج بوش الابن. وهذا ما لم يتوقّعه الكثير منّا بعد الهجمات التي استهدفت أميركا في 11 أيلول عام 2001، ورغم الـ25 مليون دولار التي كانت ستُدفَع مقابل رأسه. وصرّح الرئيس بوش للعالم بأنّ قائد تنظيم «القاعدة» مطلوب «حيّاً كان أم ميتاً». ورغم ذلك، في 14 كانون الثاني الجاري، دعا الرجل النحيف في خطاب مسجّل مدّته 22 دقيقة حول الحرب في غزة المسلمين إلى الجهاد ضدّ إسرائيل. حتماً، اعتبر الغرب توقيت التسجيل تهكّماً من الرئيس المغادر.
ومن المرجّح أنّه لم يتمّ قتل بن لادن أو القبض عليه بعد بسبب تقصير في عمل الاستخبارات، مع أنّني أظنّ أنّ ملايين الدولارات صُرِفَت بطريقة أو بأخرى على محاولة اكتشاف مخبأه. لكن يجب ألا نتجاهل أنّ طائرات التجسّس من طراز «بريداتر» التي تطير من دون طيّار فوق القرى التي لا تشملها سلطة الحكومة قرب الحدود بين أفغانستان وباكستان قتلت عدداً من كبار قادة «القاعدة» وأضعفت قدرة هذا التنظيم. ويمكن أن نستيقظ في أيّ يوم ونسمع أخباراً مفادها أن بن لادن قُتِل بالطريقة نفسها، وربّما مع أحد أتباعه الأساسيين.
طائرات التجسّس هي طائرات صغيرة وخفيفة مُجهّزة بكاميرات تلفزيون وصواريخ وقنابل موجّهة بدقّة، وهي متوفّرة لدى قادة الاستخبارات وكبار الشخصيّات العسكريّة منذ سنوات. وبلغت هذه الطائرات مستويات عالية من التطوّر واكتسب دورها أهميةًً أكثر فأكثر في مجال المعارك التقليديّة أو محاربة الإرهابيين الذين يختبئون بين المدنيين.
حاليّاً، الولايات المتّحدة وإسرائيل هما الدولتان الرئيسيّتان اللتان تستعملان هذا النوع من الطائرات. ومع مرور الوقت سيقرّر الكثير من الدول اللجوء إلى هذه الطائرات لتنفيذ أهداف خاصّة.
وفيما نحن نُعجَب بالتكنولوجيا، يجب ألا نغفل ماهيّة هذه الأهداف التي قد نشهدها في المستقبل. لا يمكن أن نضع خارج المعادلة أنّ تنظيمات صغيرة وحتّى المجرمين العالميين الخطرين، الذين ربّما يتاجرون بأطنان من المخدّرات، قد يستعملون طائرات تجسّس بسيطة نسبيّاً. وربّما تُنقَل الآن الأسلحة والمخدّرات عبر الحدود بواسطة المروحيّات. فهل سيتمّ استعمال طائرات تجسّس مسلّحة لمهاجمة هذه المروحيات؟
أخبرنا الأميركيّون القليل عن الطريقة التي يتحكّمون بها من خلالها بطائرات «بريداتر» التي تحمل صواريخ من طراز «هلفاير». ومن اللافت أنّه يمكن التحكّم بها عن بعد آلاف الأميال. من الطبيعي أن يكون باستطاعة أيّ مسؤول عن العمليات أو أي طيّار في مركز عسكري في ألاباما مثلاً أو في كارولاينا الشماليّة أن يحدّد هدف صاروخ ويطلقه في أفغانستان لاستهداف مشتبه به أو مجموعة إرهابيّة. وتستطيع طائرات «بريداتر»، من دون أن تتمّ مشاهدتها، من على أيّ تلّة أو نقطة، أن تراقب أيّ هدف بكاميرا تلفزيون لساعات وساعات.
يمكن لطائرات التجسس هذه أن تغطّي منطقة واسعة وأن ترسل للمتحكّمين بها صوراً متلفزة ومباشرة لكلّ من يدخل أو يخرج من مبنى أو كهف. ويمكن لفرق النخبة، التي تأتي بالمروحيّات، أن تهاجم خلال الليل أو عند الفجر مواقع معزولة ليس على أمل أن تقتل المشبه بهم أو تقبض عليهم فحسب بل أن تحصل على وثائق ومعدّات مهمّة لدراستها من قبل خبراء الاستخبارات.
تحصل هذه العمليّات منذ سنين في أفغانستان، وتحدّث عميد بريطانيّ مع الصحافة في الصيف عن «عمليّات قطع الرأس الناجحة جدّاً» التي تمّت في أفغانستان والتي، بحسب قوله، أزالت «العديد من القادة». ولا بدّ أنّ هذه العمليّات المفاجئة تسبّب خوفاً شديداً وقلقاً لدى قادة «طالبان»، فإيجاد بديل للأفراد المهمّين قد يتطلّب أشهراً مع جوّ عدم الأمان الذي يخيّم عليهم.
جرى نقاش علنيّ قصير في بريطانيا، وأظنّ في أماكن أخرى، حول استعمال طائرات «بريداتر». ويستند مستخدموها على المعلومات الاستخباراتيّة التي تُجمَع بكافّة الطرق، وليس مستبعداً أن يكون التعذيب من بينها، وقد تكون الاستخبارات على حقّ أو قد لا تكون. وما من شكّ أنّ الإسرائيليين قتلوا أكثر من مرّة أحد اقارب الشخص الذي يطاردونه، وربّما كان أخاً له أو قريباً. فالسلطة في يد الاستخبارات هي التي تقرّر، ربّما خلال وقت قصير، من سيعيش ومن سيموت.
في غزّة، قُتِل أخيراً أحد المشتبه بكونه قائداً في «حماس» مع زوجاته وأولاده بصاروخ من طائرة «بريداتر». أين العدالة لهؤلاء النساء والأولاد؟ لا يمكن ان توصف غارة بأنها «اصابت هدفها بدقة» عندما تقتل رجلاً مطلوباً ومن كان يمرّ بقربه صدفةً من رجال ونساء وأطفال أبرياء.