لم يفاجئ الوزير (برتبة جنرال احتياط) يوآف غالانت أحدًا بمستوى خطته "سهم للجنوب"؛ ليس مستواها المهني نقصد، بل مستواها الواطئ إنسانيًا من حيث منطلقاتها العنصرية العلنيّة الصريحة، وكونها تصلح جدًا كأمر عسكري خاص بإعلان الحروب، وهذه المرة على مواطنين بهويّات زرقاء اللون! وقد يشير هذا الحال الى "الخطأ العضال" في السياسة الاسرائيلية التي يتم فيها جلب جنرالات لمناصب ومهمات يفترض ان تكون مدنيّة، فيروحون يخرّبون بدلا من ان يبنوا. هذا حال ذلك الوزير بدقة متناهية.
فحين أطلّ على النقب واختار "سهمه"، وجّهه الى القلب.. الى قلب الحياة المشتركة المنشودة التي يجدر ويجب ان تسود هذه المنطقة والبلاد كلها، في وضع مغاير بديل تحكمه الديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان، وليس عقلية الإستعمار والغطرسة والعضلاتيّة البهيمية البغيضة. ليس هذا سهما نحو الجنوب بل سهم في قلبه!
إن العقلية التي تغلفها العنصرية لم تتح لصاحبها رؤية عقود طويلة من التمييز القومي والعنصري ضد أهلنا العرب البدو في النقب؛ ولا تهجير الناس من بيوتها وبلداتها ومواقع حياتها وكأنهم كومة حجارة، بل وتكرار التهجير مرة بعد مرة في بعض الحالات، دون منطق ولا ضمير ولا أدنى درجة من الحسّ الإنساني والأخلاقي.
هذه العقليات المتبلّدة المنغلقة لا ترى لشدة تسمّمها بالفاشية علاقة سببية واضحة بين التردّي الاجتماعي بما فيه من جناية وعنف أحيانا وبين سنوات القهر والقمع والأفقار وإفقاد الناس الأمل في أدنى حدّ من حياة أفضل. فتتزاحم الأوصاف الاستعراضية الباغية دبّ الرعب من "ارهاب بناء" و "توسع بدوي" و "هجمة على الحلم الصهيوني".. وكلها مفردات كاذبة مزيَّفة ومزيِّفة (بفتح الياء وكسرها) تلعب وظيفة واحدة: تبرير و"تبييض" جريمة التطهير العرقي المتواصلة التي تنفذها دولة اسرائيل الرسمية ضد العرب في النقب.
الى جانب كل جماهيرنا العربية، على جميع أصحاب الضمائر الحيّة والمسؤولية المدنية الوقوف بحزم في وجه هذا التصعيد الجنوني، والذي بدلا من أن يعالج بعضًا من مآسي النقب، يسعى لحقنه بمزيد من السم العنصري القاتل! تسقط خطة "سهم للجنوب" وتسقط منطلقاتها وأهدافها والحكومة التي وضعتها!