news-details

أنا... وشرعيَّة دستور الحُب | مارون سامي عزام

 

الحب لا يحمل أجندة زمنيَّة، لا يملك حتّى جواز عبور، فكل معابر التردُّد مفتوحة أمامه، لذلك سحَبَ أعذاري مِن تحت بساط تمهُّلي، ودعاني الحب لتبنّي دستوره صاحب السُّلطة العليا، حتّى أجعل عباراتي البسيطة التي أنوي كتابتها تتصَدَّر واجهة تفكيري، لأجَدِّد التزامي بمشاعري التي تفُوق الاعتبارات العامّة، تتفوَّق على إيقاعات الانتظار.  

دُستور الحب لا يُفرِّق بين العشّاق، بل يمنح حبهم شرعيَّته، فهل أنا في خانة مختلفة عنهم؟! لا أبدًا... ثمّ لماذا أطَّرتُ ذاتي في هذا الإطار المستغرَب؟!، طالما أنّي أعمل حسب لوائح دستور الحب... منطقيًّا يحقّ لي العمل بها، ولا يجوز لأي أحد أن يحاسبني، أو يجرؤ على محاجاتي على طريقة تفكيري التي تريحني في تعاملي مع دواخلي الشَّخصيَّة.

عملِيًّا أخاف أن تكون حالتي غير مشمولة في بنود هذا الدُّستور، فعندئذٍ سيكون اعترافي لها مخالفًا لشرعيّته، منافيًا للبنية السليمة لأي علاقة صحيَّة بين أي اثنين، عندها ستجف دواة آمالي... ستتفتّت أيضًا لهفتي إليها، فتتساقط بين جموع أفكاري الكثيفة، ممّا يصعُب عليّ جمعُها مجدّدًا، لكن عندما قرأت بنود دستور الحب، استوقفني بند مهم يقول: "لا تخشى بتاتًا الاعتراف بالحب بالطريقة التي تناسبك، طالما أنّكَ وصلت إلى حد الاقتناع بخطوتكَ".

ضخَّت مضخَّة الآمال هذه المرَّة وُقود التفاؤل في عروقي، وأشعَلَت حزمة إلهامي... دخلتُ مكتبي بسرعة، فوجدتُ قلمي مستلقيًا على المنضدة، يدعوني لأضمَّهُ بين أنامل همَّتي، تناولته وفتحتُ دفتري ذا الأسطر المنتظمة، كأنّها مقاعدُ للشُهود في قاعة المحكمة تنتظر لحظة النُطق باعترافي. وهكذا راحت ريشة قلمي تفرز هذه العبارات:

ربّما لستُ المعجبَ الوحيد الذي يودُّ التعرُّفَ بكِ.

ربّما لست الوحيدَ مِمَّن مرّوا على درب قلبكِ.

فاحسبيني عابرَ سبيل اعترف بحبه لكِ.

أنهيتُ كتابتها، راجَعتها فلم أجد فيها كلامًا محرَّمًا، بل إن شهادتي تقع ضَمن تشريعات دستور الحب، فأرسلتها لها عبر صندوق بريدها الخاص بصفحتها على الفيسبوك، بعد فترةٍ وجيزة تبيّن لي أنها استلمتها، ولكنّي لم أتأكَّد إذا قرأتها، لربّما اعتقدتْ أنّني أُرسل لها مقتطف جديد من آخر إبداعاتي؟!، هذا احتمال وارد جدًّا. شهادتي المرتبكة تنتظر الحصول على خَتْم قبولها أولًا، قبل أن ينطق قضاتها: عينَي وقلب صديقتي، حكمهم النّهائي عليها، فهل ستتعمَّق في شهادتي، قَبل إعلانها مصيرها الأخير؟!!

أنا متأكِّد بأنها ستعقد جلسة مُغلَقة مع هيئة أحاسيسها الموقّرة... ومهما كان قضاؤها فإني راضٍ به، ولن ألعنَ دستور الحبّ... لن أمحوَ بَندًا مِن بُنوده القائلة: "لا تُكرِه فتاةً على حبّ إنسان". لولا وجود دستور الحب لـحصل تماديًا على حريَّة خيار الفرد، لذلك سأترك صديقتي تطرح شهادتي للنّقاش على طاولة قرارها، ولكن هل ستلتزم مثلي بشرعيَّة دستور الحب؟!! 

إذا استوعبت صديقتي اعترافي دون أن تتحامل عليّ، فذلك يعني أنّها لم تغلق معبَر الصداقة، بل أبقته مفتوحًا بيننا، لأن أحد بنود دستور الحبّ تنُص: "لا يحقُّ للفتاة أن تزرع بذور الخصام في أرض الصداقة لِمُجرَّد اعتراف المعجَب بحبّه"، وهناك بَند آخر ينُصّ: "يجب على الطرفَين التروّي قبل اتّخاذ القرار الحاسم، وعليهما أن يُهيّئا نفسيَّتَيهما لأيِّ ردّ فعل غير متوقَّع يصدر عن أحدهما".

هذا هو دستور الحب، فإنه بسيط الفحوى، بنوده الواضحة تمنح كل عاشق حريّة البَوح بشعوره بدون ضغوطات... يُخفِّف من حدَّة عناد أحد الطَّرَفين، لأن من مَهامه السّعي إلى جَسْر هُوَّة الاختلافات لطمس الخلافات، كذلك يعمل الدستور على إزالة سوء التفاهم، لأنه بالفعل قادر على إطالة عمر العلاقة بين العشاق، ليمنعهم من دقّ مسمار الافتراق في لوحة خصامهم، من هنا اكتسَب الدستور شهرته، لذا سأتمسَّكً به، لأنّه يُنظِّم توجّهات الأحاسيس بصورة لائقة، لتفادي ثوران العتاب...

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب