news-details

عندما يتحدَّى الشِّتاء حبّنا | مارون سامي عَزّام

أيها الشِّتاء... أتجنّب أيامك حاملة الزّمهرير، أرتعب أكثر عندما أرى غيومك مثقلة بالأمطار... مُتَجَمِّعَة كالجحافل... مشحونة بشحنات البرق الكهربائيّة، لتُسمِعني زَمجِرَة الرّعد، كإشارة استعداد للهجوم على الأرض، من أجل أن تصبّ عليها جام غضبها المائي، مفرِغَةً قذائفها فوقها. لقد أسرني المطر في المنزل، لأنَّه بلَّل مسافة اللقاء بيني وبين حبيبتي، بسبب عِراك الأحوال الجويّة المفاجئ مع تيّارات قطبيّة متطرّفة لا ترحم... فأَقفَلت جميع طُرقات الدّفء أمام الشّمس التي أوهمتنا بقناع إطلالتها.

انتظرتُ ريثما تتوقّف الأمطار الجنونيّة التي بدأت تشتدُّ غزارتها، أنتظر مجيء مرسال الصّحو في أي لحظة، ليُخبرني أن الطّريق المؤدّي إلى منزل حبيبتي قد جفّ، لكنّني أخاف أن أخطو مثل هذه الخطوة الآن، لئلّا أقع تحت قذائف غضب الطبيعة، وخوفًا من التَّعثُّر بمطبّات مخالفاتها... أخشى الوقوع في واحات الهدوء الوهميّة التي تملأ دربي، ولكنّ ما أن أطلَّيتُ من باب المنزل كالهارب من عدالة الطَّقس، وجدتُ ظُلمة الليل قد سبقتني، متوغِّلًا سوادها في السّماء. 

ساعات ليالي الشّتاء الطويلة تمدَّدت على مللي، متآكلةً معه ببطء، اشتداد العاصفة عزّز من فعّالية الأمطار فوق سقف بيتي، فقمعت كل الاتصالات... انقطع الاتصال بيني وبين حبيبتي، عندها شعرتُ أنّي بالفعل محاصَر... استفحل البَرد الذي ذُعِرَ عندما رأى مدفأة السهر تلاطفني بحرارتها، فلم يَقدِر عليها، رغم محاولاته المتكرِّرَة الاعتداء على أجواء الدّفء. 

أمّا حبيبتي الجالسة في غرفتها، قامت لتُشاهد الأمطار التي انهارت باكيةً، ودموعها تغطّي نافذتها، تتوسّل إليها حبيبتي بألّا تمسح عنها بُخار تذمّرها المتراكم على زجاجها لتأففها من وحدتها... لم تستوعب الأرض العطشى هذه الكميّات غير الاعتياديّة من أمطار حقدها على البشر، فسَمَحَتْ لمياه الخراب أن تفيض على الطُّرُقات... أن تتسرَّب إلى البيوت. 

لم تتحمَّل الأمطار مسئوليَّة الأضرار التي أحدثتها سيول الفوضى... لم تتحمَّل مسئوليَّة انتكاس موعدي مع حبيبتي، لأنَّها لبَّت أوامر الإرادة الجويَّة التي أجبرتها على إطاعتها ولا يمكنها التّأخُّر عنها، لأن فصل الشِّتاء سيُعاقِب الأمطار عقابًا موسميًّا، لامتناعها عن الهطول، فتكُون المسئولة عن جفافه... أمّا حبيبتي بقيَت شاهدة على هذه الأحداث الرَّطِبَة، تدعو بالانفراج القريب. 

عَلِمَت حبيبتي أن جمار الذكريات بدأت تلسعُ يدَيّ من فرقعة شَرر الفرح والسّعادة، مُبشِّرة بانبلاج نور الفرَج قريبًا... بعد برهة قصيرة هدأ القصف المطري، ولكن البرد القارص اللعين يا حبيبتي ما زال يجوس كالحارس، فارضًا منع تجوّل قسري، وأنتِ ما زلتِ تجلسين بجانب نافذة غرفتكِ، تتمنين ظهوري في أفق الميعاد المنتظَر.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب