الأطراف الممولة، من المنظومة الغربية، بل ومن صندوق المساعدات الأمريكية USAID، تعمل تحت مظلة وتنسيق حكوميين، في المناطق التي تحت سيطرة الدولة. وهذه المنظمات معنية بشبكة الفساد السورية الكبرى، التي تثرى من العقوبات، ومن المساعدات، والتي تهرّب أموالها للخارج.
كيفما يممت وجهك فإنك ستجد أرقاماً اقتصادية واجتماعية صادمة عن سورية، نسبة الفقر والبطالة الاستثنائيتين (85-50%)، نسبة الأطفال خارج المدارس (50%)، حجم الخسائر، عدد الجرحى، عدد محتاجي المأوى، عدد المفقودين، وعدد وعدد وإلخ... ليختلف «الفقهاء» في صدقها أو كذبها، حول دقتها من عدمها. ويصل البعض إلى التنديد بالأخذ بها، على اعتبارها جزء من «المؤامرة الكونية".
الحكومة، وإعلام المتنفذين وأصحاب المال، يشيرون خجلاً «إلى عدم دقة الأرقام الدولية»، ويصمتون صمتاً مطبقاً عن الأرقام والوقائع التي تحت أيديهم. وبالمقابل يتنطح ذوو الحميّة للتنديد بهذه الأرقام «المسيّسة»، ويشنوا أيضاً حملة «مسيّسة» لتغطية الواقع الأسود، واستخدام مقولة حق، لتخدم الباطل عن وعي وغير وعي.
المنظمات الأممية والدولية، تسيّس الأرقام، وهذه حقيقة. فمثلاً يحتاج جمع مليارات الإعانات الدولية والمساعدات، إلى تضخيم أرقام الحاجات، وإلى إظهار سوداوية الواقع... فتحرص الجهات الدولية المتسوّلة على مأساة السوريين، على نكش كل التفاصيل الاقتصادية والاجتماعية المريرة وإعلانها دورياً، لتقارب الواقع في جوانب، وتبالغ أو تخفف في وقائع أخرى.
ولكن ينبغي أن يعلم الجميع أن هذه المنظمات تجمع الأرقام من عملها النظامي داخل الأراضي السورية بغطاء وتنسيق حكومي، وتشير في مصادرها إلى المصادر الرسمية الحكومية التي لا تُعلن...
ولكن على الطرف المقابل، هنالك عملية تسييس أيضاً، بدوافع أخرى. فإن التكتم عن الأرقام والمعطيات، ومنع إظهارها، ومهاجمة الأرقام المعلنة، هو أيضاً فعل سياسي...
فمثلاً هل لنا أن نسأل الحكومة والجهات الرسمية، لماذا لا تعلن المعطيات التي تتوفر لديها؟! والتي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر...
ما الذي بقي من عداد موظفي الدولة؟ وما عدد القوى العاملة السورية الشابة، التي تنشط في مجال العسكرة، لا المجال الاقتصادي؟ وما عدد القوى العاملة التي تعمل يوم، وتقعد عشرة، وما عدد القوى العاملة المعطلة لأنها مصابة، أو لأنها مفقودة، أو... أو...
ألا يجب أن يعلم السوريون ما عدد الأطفال العاملين في الورش والمحال والأسواق والشوارع؟ وما عدد وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية؟
وهل لنا أن نسأل مثلاً: ما الحجم الحقيقي للإنفاق الحكومي، ولماذا تخفي قطع موازناتها؟ أو أن نسأل ما قيمة الصفقات المعقودة مع كبار التجار الوسطاء لاستيراد المواد الأساسية لصالح الحكومة: المازوت والغاز والقمح وغيرها...؟!
هل للحكومة أن تجاوبنا، أين بلغ ثراء الأثرياء في سورية؟ وما قيمة الأصول والثروات التي يملكها فلان وفلان... هل للحكومة أن تصدر علناً الأرقام الصحيحة والواضحة والدورية، للضرائب التي يدفعها هؤلاء المترفين؟! هل لها أن تقول لنا ما حجم الأموال التي يُخرجها هؤلاء سنوياً من البلاد؟ وكيف؟
الكثير من الأسئلة الاقتصادية-الاجتماعية- السياسية، لا تجد لها جواباً، لا من الحكومة، ولا من الأطراف الدولية، بمنظماتها التي «تنغل» في سورية!
فهذه الأطراف الممولة، من المنظومة الغربية، بل ومن صندوق المساعدات الأمريكية USAID، تعمل تحت مظلة وتنسيق حكوميين، في المناطق التي تحت سيطرة الدولة. وهذه المنظمات معنية بشبكة الفساد السورية الكبرى، التي تثرى من العقوبات، ومن المساعدات، والتي تهرّب أموالها للخارج.
على البعض عوضاً عن انتقاد الأرقام المعلنة، أن يطالبوا بالأرقام المكتومة لأغراض سياسية... سواء من الأطراف السياسية المحلية، أو الأطراف الدولية.
(جريدة قاسيون)
مشهد في أحد شوارع منبج بمنطقة حلب، قبل أشهر (رويترز)
إضافة تعقيب