news-details

القيادة ليست وشاحا نتقلده | رياض خطيب

القيادة ليست وشاحا نتقلده او عصا سحرية نشق بها الطريق نحو المنصات!

هل هي طبع وتطبع؟! تجري انسيابيًا كما يجري الدم بالعروق؟! فهي تشكّل وحدة حال وانصهار مع آمال وآلام الناس. تحمل بذرة الأمل وجمرة الألم في صراع مع واقع مرير وقاسٍ. وتعكس بشفافية مقولة من همّ الناس إلى الناس..

كنا دومًا نعتزَ بهذا القائد التاريخي لشعبنا الراحل الأصيل "أبو الأمين" بالرغم من كوننا جنودا مجهولين في هذا الحزب الذي كان من قادته راحلنا "أبو الأمين". كنّا نعرفه رمزًا ونبضًا من رموز هذا الحزب من خلال مواقفه وممارسته للعمل السياسي سواء كان بالاجتماعات الشعبية التي شارك فيها أو من خلال عمله البرلماني الزاخر بمواقفه البطولية، او من خلال عمله رئيسًا لبلدية الناصرة ما يقارب عقدين من الزمن.

ولا زلت أذكر ذاك الموقف الذي جمعنا سويةً وعن قرب بهذا الانسان المميز والأصيل، كان ذلك أربعة او خمسة أشهر قبل وفاته وكان ذلك بصحبة سائقه الشاب من عائلة سليمان، حضر إلى بيتي. يومها قال لي وبصورة واضحة: "اسمع يا رفيق أنا مليت من العمل السياسي والبلدي لأن الهمّ كبر والمسؤولية توسّعت وتضخّمت، وهذا الوضع يهدم جبالًا فكم بالحري لإنسان مثلي من لحم ودم.. بنفسي اقعد على شاطئ طبريا، أكتب قصيدة وأنفض من خلالها غبار هذه المعارك والتحّديات".

هذا ما قاله ابو الأمين وبطبيعة الحال يعكس الواقع الحقيقي لما كان هناك من تحديات جمة. والآن ها هو البروفسور تمير سوريك يكمل الرحلة ويصحبنا في رحلة البحث عن الذات والصراع بين محطات ودروب رحلة حياة هذا المناضل المميز على مدار سنوات عمره والتي لم تتخطَ ٦٥ عاما منذ ولادته.

 حتى رحلته الأبدية التراجدية انتهت بحادث طرق اليم.. لقد استطاع الاستاذ سوريك ان يصحبنا بامانة وبموضوعية من خلال بحث وتقارير موثقة لناس وأحداث عاشها الراحل وعاشت فيه عميقا حتى يوم رحيلة الأخير عن هذا العالم.

لم يكن اختيار الراحل أبي الأمين لطريق الكفاح اعتباطيَا أو مظهريًا، بل هو نتيجة حتمية لكونه ينتمي إلى طبقة من المعذبين المهمشين بالأرض. فالاحتلال البريطاني الكولونيالي لوطنه الأم فلسطين، وما عكسه ذلك من ممارسات وانتهاكات لأبسط قواعد الحرية والانتماء الحر الأصيل لأبناء بلده وشعبه الفلسطيني وطموحاته نحو تحقيق العدل والمساواة والعيش بحرية كغيرهم من شعوب هذه المعمورة. 

ومقارعة الظلم والاستبداد الذي يتعرض لهما هذا الشعب، والتّحدي لسياسة الحكومة البريطانية ،ومن ثمّ ما تعرض له شعبه من كارثة النكبة، وكل ما تركته من إسقاطات كانت هي نقطة تحوّل أخرى ومهمة في حياة زياد، فلقد وجد بطريق الكفاح الطبقي واعتناق المبادئ الماركسية اللينينية طريقًا لخلاص شعبه ولكل الانسانية المعذّبة على وجه الأرض. وبالملخص الواسع والعميق لهذا الإصدار المميز تم رسم خطوط التطور والتّحول لدى الراحل زياد من خلال انصهاره كليًا بالعمل السياسي ومن ثم البلدي، هذا ناهيك عن كونه من شعراء فلسطين الجريحة ومن السبّاقين في استخدام أدواته الشعريّة في حضوره السياسي والوطني، ومن ثم لآفاق الإنسانيةّ الواسع لأنّه أصبح شاعر الأممية وأصبح الشعر أداة من أجل خدمة قضايا كلّ المعذبين بالأرض من أبناء شعبه وكل شعوب الدنيا.

إنّ مسيرة حياته ومتابعة مسيرته الكفاحية من خلال انخراطه بالهمّ الوطني والإنساني دفع ثمنها غاليًا من خلال السجن والملاحقة والاعتقال الإداري وكل ما يحتويه القانون الاستعماري الإنكليزي الذي ورثته المؤسسة الحاكمة الاسرائيلية، وحكم الاستبداد ونهب خيرات البلاد وتهجير سكّانها من قبل العصابات الصهيونية الاستيطانية. 

لا أريد تكرار ما ورد بهذا الكتاب من مجريات وأحداث في حياة الراحل زياد التي هي وثيقة في توثيق حياة شعب وهوية وانتماء سواء على المستوى الوطني او الحزبي، والذي يشكّل وحدة متكاملة من الكفاح الشعبي والجماهيري في مواجهة سياسة حكام هذه البلاد المتعاقبة بكل ما تحويه من انتصارات واخفاقات سواء على المستوى الحزبي او الشعبي.

نحن من الجيل الذي عاش وتفاعل مع هذا القائد الرمز ولن أنسى ما دمت حيًا موقف ودور القائد زياد باتخاذ قرار إضراب يوم الأرض لدينا في قاعة بلدية شفاعمرو، حيث جهّزت السلطة قواتها الضاربة وكل عكاكيزها لكي تحاول إجهاض قرار الإضراب، بحيث وقف زياد وقال لهم كلمته الشهيرة مشيرًا إلى التجمع خارج القاعة قائلا: الشعب يريد الإضراب وسيكون هناك إضراب. 

عشت فترة زياد منذ انتصار بلدية الناصرة الجبهوية وحتى لحظات رحيله وهذه الفترة كانت مكلّلة بلحظات من الفرح والآلام، ولكن في نهاية الأمر ورغم كل ما مرّ من أحداث، الإيجابي منها والسلبي، جميعها تؤكّد حقيقة ومصداقية هذا الطريق الذي خطّه زياد ومن معه من رفاق الدرب.

صحيح بأنّ الأمر لا يخلو من هفوات وإسقاطات وصراعات هنا وهناك حول القيادة سواء بما يخصّ البلدية او الكنيست، ولكن تبقى هذه الأمور طبيعيّة ورد فعل طبيعي وحتمي لكل من اتّخذ قرار العمل السياسي والبلدي خدمةً وإيمانًا بعدالة القضية التي يكافح من أجلها. 

لست واثقًا من تفاصيل ما كان يجري خلف الكواليس من صراعات ومن كان ملازمًا لمجريات هذه الأحداث. ويمكنه أن يقارن بين ما ورد من مجريات حقيقية، ولكن هناك بعض الأمور التي لم يعطها كاتب هذا الإصدار حقّها، ومنها على سبيل المثال أيّام العمل التطوعي الذي بادرت إليه بلدية الناصرة بقيادة زياد، ومدى ما أحدثته من إنجاز على الصعيد الميداني وعلى النطاق السياسي العام، بحيث تحوّلت إلى عرس فلسطيني بامتياز. 

وموضوع العلاقة بين الراحلين زياد وحبيبي، وكيف حدث التّحول بهذه العلاقة بعد أن أيّد حبيبي ما يحدث بالعالم الاشتراكي ورأيه بنظرية وفكرة البريسترويكا السوفياتية وانتقاده للحزب بشكل واضح، ممّا اضطر الحزب أن يتّخذ قرارًا بإبعاده عن مكانته كرئيس تحرير لجريدة "الاتحاد". ورد زياد في صحيفة الاتّحاد على ما أعلن عنه حبيبي من انتقاد لرفاق الدرب، وهو الذي كان ولفترة طويلة من قيادة هذا الحزب ورفيقًا وجارًا وأعز أصدقاء زياد.

ما أود أن أؤكد عليه في حديثي بأنّ هذا الإصدار مهم لكلّ من حاول أن يبحث عن خلفيات ما جرى من أحداث على مساحة الناصرة وفلسطين الداخل وعلى صعيد الوطن الفلسطيني. مثال على ذلك بأن الراحل زياد ومعه حزبه وافق على اتفاقية أوسلو بالرغم من معرفته بكل الثغرات التي تضمّنها هذا الاتفاق من منطلق أنها ستكون النافذة نحو خلق جو تفاوضي من الممكن أن يساعد على إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. 

ولكن على ما يبدو بأن ما كان قد حذّر منه زياد من مخاطر هذا الاتفاق هو ما حدث فعلا فتحوّلت أوسلو وبالًا على الشعب الفلسطيني. 

وما اريد التأكيد عليه من خلال هذا الإصدار حقيقة وواقع أن القيادات تنبع من بين الناس ومعاناة الناس وليست قيادات تسقط من أعلى على بساط ومنصات القيادة.

زياد سيبقى علامة فارقة في تاريخ هذا الشعب بكل مجريات حياته الحزبية والسياسية، هذا ناهيك عن مكانته الشعرية من خلال ما خطّ من أشعار ستبقى خالدة في تاريخ وذاكرة بلده وشعبه والإنسانية.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب