وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقاء مع رئيس حكومة اليمين في إسرائيل، بنيامين نتنياهو، أمس الأول الاثنين في البيت الأبيض، مرسوم الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة منذ العام 1967. ووصف نتنياهو هذا الحدث بأنه تاريخي!! الغريب والمستهجن في الأمر ان يقرر زعيم دولة، يحترم موقعه ويحترم الشرعية الدولية، مصير الجولان وكأنه ملك له وله كامل الحق بالتصرف به كما يشاء!!
وفي هذا السياق أكدت وزارة الخارجية السورية أن قرار ترامب يمثل أعلى درجات الازدراء للشرعية الدولية وصفعة مهينة للمجتمع الدولي ويفقد الأمم المتحدة مكانتها ومصداقيتها من خلال الانتهاك الأمريكي السافر لقراراتها بخصوص الجولان السوري المحتل وخاصة القرار 497 لعام 1981 الذي يؤكد الوضع القانوني للجولان السوري كأرض محتلة ويرفض قرار الضم لإسرائيل ويعتبره باطلاً ولا أثر قانونيًا له.
والجولان هي هضبة تقع في بلاد الشام بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل الشيخ من الشمال. وقعت الهضبة بكاملها ضمن حدود سوريا، ولكن في حرب 1967 احتلت إسرائيل ثلثي مساحتها البالغة 1860كم مربع، حيث تسيطر إسرائيل على هذا الجزء من الهضبة في ظل مطالبة سورية وعربية ودولية بإعادتها إليها ويسمى الجولان أحيانا باسم الهضبة السورية.
وكانت الكنيست اقرت بتاريخ 14-12-1981 قانون تطبيق القانون الإسرائيلي على الجولان المحتل واعتبار سكانه مواطنين اسرائيليين، وسمي القانون آنذاك بقانون الجولان، الذي رفضه أهل الجولان ورفضته الأمم المتحدة واعتبرته قانون غير شرعي وأصدرت قرار رقم 497 بتاريخ 17-12-1981 والذي يدين تطبيق القوانين الإسرائيلية على الجولان المحتل ويعتبر القرار الإسرائيلي لاغيًا كأنه لم يكن.
يبدو للوهلة الأولى أن هذا الإعتراف هو بمثابة هدية ثمينة لرئيس حكومة اليمين، نتنياهو، الغارق إلى عنقه بشبهات الفاسد، عشية الانتخابات القريبة للكنيست في التاسع من نيسان القادم. لكن الحقيقة قد تكون مغايرة على ضوء فشل مخططات الهيمنة الأمريكية على المنطقة والهزيمة المجلجلة لأمريكا وحلفائها في الغرب وإسرائيل وأنظمة الخنوع والتآمر العربية في سوريا، بعد الانتصارات المدوية التي حققتها سوريا ومن يدعمها من حلفاء في هزم الإرهاب والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية. فترامب، الذي بكر في إعلان انسحاب القوات الامريكية من سوريا قبل حسم المعركة نهائيا ضد داعش، يحاول التغطية على هزيمته من خلال الايهام بأنه حقق بعض المكاسب له ولحلفائه. إضافة إلى حقيقة ان التحالف بين ترامب وبين نتنياهو هو تحالف بين أعتى قوى اليمين، الذي يستهدف الشرعية الدولية بمؤسساتها واتفاقياتها وقراراتها. فالسياسة الأمريكية في ظل إدارة ترامب، تزداد شراسة وعدوانية كلما تراجع دورها وتوالت هزائمها وفشلت مخططاتها العدوانية في مختلف مناطق العالم. ولا يختلف الأمر في إسرائيل حيث تتفاقم ازمة النظام السياسي وتتعمق نزعته نحو العنصرية والفاشية.
واعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل هو استمرارًا للموقف المعادي للشعوب العربية، الذي تجلى بقراره السابق نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل.
وهذان القراران يمثلان خرقًا صارخًا للشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1967 حتى الآن، والتي تدين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، بما فيها الجولان.
وهذا الأمر أكدته سوريا للأمين العام للأمم المتحدة أن الإدارة الأمريكية لا تمتلك أي حق أو ولاية في أن تقرر مصير الجولان العربي السوري المحتل وأن أي إجراء أمريكي ينطوي على الاعتداء على حق الجمهورية العربية السورية في استعادة تلك الأرض المحتلة وممارسة سيادتها عليها هو عمل غير شرعي لا أثر له وهو إخلال بالتزامات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أحكام الميثاق ومبادئ القانون الدولي.
كما أثار قرار ترامب العدواني الخطير هذا رود فعل دولية وعربية منددة واسعة شملت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين واليابان وروسيا. ومن المستهجن أن تكون الإدانات الدولية حتى من بين دول حليفة لأمريكا أقوى كثيرًا من المواقف العربية وأكثر وضوحًا منها!! وحقيقة ان حالة التبعية المزرية لغالبية الأنظمة العربية، وهرولتها نحو التطبيع مع إسرائيل وتواطؤها لتصفية القضية الفلسطينية، وسعي البعض منها لإقامة حلف نتو عربي مشبوه ضد إيران تقوده أمريكا وإسرائيل هو ما جعل ترامب يجرؤ على اتخاذ هذا الموقف الخطير بالنسبة لسوريا والمنطقة العربية بمجملها.
وهذا ما حمل نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، على القول: هناك تناقض واضح في آليات عمل الدول العربية وسياساتها تجاه سوريا... فهي استجابت لضغط بومبيو (وزير الخارجية الأمريكي) وطلباته بعدم عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. مؤكدًا أن "الصفعات الأميركية تجاه قضايا منطقتنا تتوالى ولن تتوقف عند بلد معين".
ومع توالي الهزائم التي تمنى بها إدارة ترامب في سوريا واليمن وفي فنزويلا وسقوط رهانها على العراق ولبنان وفشل ضغوطها على إيران ومع بداية التراجع الأوروبي عن الدعم الاعمى لمخططات ترامب العدوانية لا بد ان تستفيق العرب وأن تسهم في إعادة الحق لأصحابه واستعادة الاستقرار الى هذه المنطقة.
وفي مثل هذا الوضع فإن أفضل رد على عدوانية السياسة الأمريكية هو عودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، وعودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين الدول العربية وسوريا إلى طبيعتها، وتقديم كل أشكال الدعم للشعب والدولة السورية من أجل تحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيلي.
إضافة تعقيب