news-details

من ذاكرة الوطن توفيق الابراهيم (ابو ابراهيم الصغير)

كتب: عمر سعدي

في زيارة عادية لنا صديقي وانا  الى الحاج  سليم محمد مناصرة ( ابو محمد) المهجر من قرية اندور  سنة 1948 في بيته العامر في عرابة  وهو من مواليد سنة 1930،انفرجت اساريرنا فرحًا عندما وجدناه في صحة جيدة وكامل قواه الذهنية ، يجلس على اريكة فاخرة  ، كالاسد  يربض في عرينه ،كان الجو باردا وماطرا  وفي عنفوان موجة البرد القارس قد  لفَّ  جسمه  بعباءة سوداء فاخرة  ،موشحة بخط اصفر ذهبي اللون ، نهض يستقبلنا وقد افترّ ثغره  عن ابتسامة عريضة غمرت وجهه البشوش وراح يرحب بنا اجمل ترحيب، وبحفاوة عظيمة، سكب لنا القهوة  واخذنا   نتجاذب اطراف الحديث ،وفي غمرة حديثنا  جمح به تفكيره وجرفه سيل من الحنين  عاد به الى مسقط رأسه قرية اندور وراح  يستذكر مما حفظته ذاكرته من ايام الطفولة استذكر التينات والصبرات والبيادر وكديس القمح على البيادر ودراس القمح  والركب على اللوح مع الدرّاس استذكر اترابه من الاطفال في حارته واللعب على البيادر استذكر الشباب ابناء رعيله و الاقارب والارض والمسكن وقال كانت الارض لعائلة الفاهوم والناس تعمل في الزراعة باجرة زهيدة واحيانا بالمونة ومما ذكره عن تركيبة القرية الاجتماعية  الكبيرة التي تستحق الذكر عائلة المناصرة التي كما قال لي الشرف الانتماء لها و قد قدّمت العديد من الشهداء على مذبح النضال منذ سنة 1936حتى سنة 1948 وعائلة الصوالحة  وعائلة الحايك  وعائلة الجنايبة  وكان لعائلتي المناصرة والحايك دور كبير ومهم في ثورة القسام سنة 1936 - 1939  وكان منهم قادة عظام وقادة فصائل.

توقف ( ابو محمد)عن الحديث عاد وسكب القهوة ثانية  استجمع افكاره  ونظر الينا بنظرة تشع حزنا وقد احتبست بين جفنيه الدموع . وقال: في زيارتكم الماضية حدثتكم عن المجاهد محمود الحايك  وانا اريد  في هذا السياق ان اكون منصفا وعادلا، وعدا المجاهد محمود الحايك، اشتهر وبرز مجاهدان اثنان  آخران هما توفيق الابراهيم (الملقب بابي ابراهيم الصغير) ومعه  الشيخ  يوسف عبد الخالق الحايك  ورجائي  منكما ان تكرما الاثنين كما كرّمتما المجاهد محمود الحايك  لاوفي الذين يستحقون التكريم  فاخذ يحدثنا عن نضال الاثنين وبدا باستذكار سيرة حياة المجاهد (ابو  ابراهيم الصغير)  فتناولت قلمي ورحت  اسجل ما فاض من مخزون ذاكرته مما رواه عن والده وما ظل يتناقله الناس من  بطولات هذين المجاهدين. فقد اطال الحديث عن مآثرهما في الثورة الفلسطينية 1936 وحرب سنة 1948 وعندما كفَّ عن الحديث وانتهيت من التسجيل نهضنا وودعناه ، إيفاء لرغبته عزمت على كتابة مقالتي هذه المتواضعة ، تناولت سيرة  حياة ابو ابراهيم الصغير وما اقتبسته من حديث الحاج ابو محمد ان المجاهد (ابو ابراهيم الصغير ) عمل في الزراعة اجيرا  وعاش فقيرا وعندما بلغ اشده غادر القرية الى حيفا ركضا وراء لقمة العيش وكغيره من الشباب الذين غادروا قراهم واستقروا في حيفا  وشاءت الاقدار ان يؤمّوا  جامع الاستقلال ويستمعون الى خطب الشيخ القسام الحماسية التي دخلت وجدانهم ودب  الحماس  في عروقهم وكان توفيق الابراهيم احدهم   الذي تعرّف على  القيادة التنظيمية والميدانية  ا فانضم الى   صفوف التنظيم السري   فبرع في تأدية الواجب وشارك في العديد من الهجمات في حيفا ومنطقتها  وكما رواه الحاج ابو محمد شارك في معركة يعبد  جنبا الى جنب مع المجاهد الكبير عز الدين القسام الذي استشهد في هذه المعركة    20|11|1935.  وقد انيطت به مع لفيف من المجاهدين بقيادة  المجاهد محمود الحايك والشيخ يوسف الحايك وآخرين مهمة تفجير خط انابيب البترول الممتد من العراق ويمر من المنطقة بالقرب من كفر مصر.

  فقد  القت السلطات البريطانية القبض عليه، وزجت به في سجن اللطرون بالقرب من القدس وقد هرب منه بفضل عمل فدائي جريء وناجع  نفّذه المجاهد محمود حسين الدلكي الذي استطاع بدهائه ان يقتحم السجن هو ومجموعته  ويهرّب معظم  المعتقلين،  شارك المجاهد ابو ابراهيم الصغير  في معركة ناصر الدين بالقرب من طبريا وشارك في معركة  طبريا معه من عرابة صالح المنصور  وشاكر الحامد كما وشارك في معركة  نحف ضد القوات البريطانية لمع اسمه  فأجزلته القيادة الفلسطينية العليا بترقيتة رتبة   قائد فصيل  فاخذ يقود مجموعته بمهارة وببسالة فائقة ، ينصب الكمائن للدوريات البريطانية المتنقلة بين المدن و  والقرى الفلسطينية وعُرِف بالمحارب العنيد، وعندما اخفقت الثورة سنة 1939 وعاد الى مسقط رأسه الى قرية اندور  وقامت الشرطة البريطانية تجوب القرى العربية بحثا عن السلاح وتطلب منهم  تسليمه فقاموا بمداهمة قرية  اندور فقد  انصاع معظم الذين يمتلكون السلاح لامر التسليم فكان رد المجاهد أبو ابراهبم على هدا الطلب  بالرفض وبشكل قاطع  فآثر قضاء معظم ايامه ولياليه  في المغاور وفي الوعور  هربا وتحاشيا للقبض عليه وظل على هذه الحالة حتى كفّت السلطات البريطانية عن ملاحقته ،  آزره في عمله الفدائي الناجح  اخوته الثلاثة والاكبر خليل الابراهيم  وحسن وفايز . وعندما نشبت الحرب سنة  1948 بين الفلسطينيين و والمنظمات  الاسرائيلية الفاشية وجيش الهاغانا ومجيء جيش الانقاذ اوكلت له القيادة العربية  منصب قائد فرقة من جيش المتطوعين العرب الشباب والرجال من القرى والمدن الفلسطينية وكان مركز قيادته في منطقة شنلر في الناصرة كما يذكر  (الحاج  ابو محمد) حارب ببسالة خارقة  وعزيمة قوية في عدة معارك في طول البلاد وعرضها  اعترف له العدو انه كان محاربا عنيدا ،ولما وضعت الحرب اوزارها وحدثت النكبة هاجر الى لبنان ومنها الى سوريا حيث مات مهجرا في  صفوف القيادة الفلسطينية الني نشأت في اعقاب  نكسة 1967، هذا غيض من فيض من سيرة حياة هذا المجاهد الباسل النضالية.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب