news-details

من ذاكرة الوطن: المناضل الكبير المحامي حنا ذيب نقارة (ابو طوني )

عشية الذكرى الـ 43 ليوم الارض الخالد

من ذاكرة الوطن: المناضل الكبير المحامي حنا ذيب نقارة (ابو طوني ) 1912 - 1984

انتهيت من قراءة كتاب مذكرات محام فلسطيني حنا ذيب نقارة محامي الارض وفلسطين حرره سعيد قبطي في 386 صفحة من الحجم الكبير يستذكر سيرة حياة هذا المناضل العملاق منذ الطفولة وفي مراحل حياته حتى سنة 1982 ومن خلال تلك الكلمات السوداء من على صفحات ناصعة البياض يطل علينا المحامي حنا نقارة بقامته الشامخة، يسرد لنا تاريخه النضالي المشرّف الثري والغزير ومن خلال تلك الذكريات  يفتح للقارئ نافذة يطل منها على مجريات الاحداث التي عصفت على تاريخ القضية الفلسطينية برمتها منذ ما قبل وعد بلفور المشؤوم  1917 حتى حلول النكبة سنة 1948 ويميط اللثام عن غباء الرجعية المحلية والقيادة العربية العليا بقيادة الحاج امين الحسيني والصراعات لكبرى العائلات والسعي للهيمنة  على النفوذ التي حالت بمواقفها الجامدة العائلية. دون تحقيق أي مكسب للشعب الفلسطيني في مجالات الاستقلال وايقاف موجات الهجرة اليهودية الى فلسطين وردع الاندفاع الشديد نحو بيع الارض للجمعيات الصهيونية من القادمين الجدد الى فلسطين .

فمن مطالعتي ذكريات المحامي حنا نقارة كما قرأتها وجدتها تتماهى مضامينه وتتناغم مع بعض مضامين كتاب بيان نويهض الحوت الذي صدر تحت عنوان (القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين 1917 - 1948 اصدار دار الاسوار عكا )  في985 صفحة من الحجم الكبير في تاريخ القضية الفلسطينية .  ولا اريد بهذه المقالة المتواضعة التعقيب على مضمون كتاب ذكريات حنا نقارة وانا لست قارظا ولا ناقدا ، وعند انتهائي من قراءة الكتاب فقد استنهضني وحفزني ما ذيّل العنوان( محامي الارض والشعب ). هذا الاسم حنا نقارة عانق الارض عناقا طويلا   ونُقِش على صفائح فولاذية من الصمود والنضال، وبما اننا نقف اليوم عشية احياء الذكرى الثالثة والاربعين  ليوم الارض الخالد وما لهذا المناضل الفذ من حضور هام في  الدفاع عن الارض بشكل عام وفي عرابة ويوم الارض بشكل خاص ، عادت بي الذاكرة لتتدفق غزيرة جرفتني الى سنوات الخمسينيات من القرن الماضي لينتصب  طيف ابي طوني امام ناظري شامخا وله في هذا المقام حكايات  مثيرة اختمرت في جوف جرار الزمن ليفوح منها عبق النضال الشذي وطعمها اللذيذ  العذب ، حكايتان تعود الى سنوات الستينات عندما انتهت الدولة من ترسيم الارض في القرية وتسجيلها على اسم اصحابها ومن خلال هذا الترسيم عثرت السلطات على بعض الثغرات فحاولت ان تستغل قانون الارض البور الذي يمنح دائرة املاك الدولة حق مصادرة الارض ، ومن تلك المظالم ادعت السلطات ضد احد المواطنين انه سطا على املاك الدولة بذريعة ان المساحة التي تحيط بالبئر وتساوي حوالي الدونم من الارض انها ارض بور جرداء وعليه ان يتخلّى عنها لصالح الدولة ، ووصلت القضية لى القضاء ووقف ابو طوني في المحكمة وكيل صاحب الارض امام القاضي شامخا بعباءته السوداء يصول ويجول ،يبدد مزاعم ادعاء ممثل دائرة املاك الدولة الباطل، وبفطنته الخارقة عرف من اين تؤكل الكتف ، فبين في دفاعه ان المساحة المذكورة مشجرة بشجيرات الصبار وليست بورا، فثارت ثائرة المدعي ممثل دائرة اراضي اسرائيل مدعيا ان الصبار ليس شجرا ،ثم سمح القاضي لابي طوني ان يرد على الادعاء فوقف ابو طوني وقفة الواثق من ادعائه  يخاطب القاضي بجرأة صارخة وشجاعة فائقة فقال: يا سعادة الحاكم الشجر المتداول عند الفلاحين هو التين والزيتون والصبار ثم وجه تساؤله للقاضي فكم من مرّة يا سعادة القاضي ابتعت الصبار من السوق اليس لانه فاكهة لذيذة الطعم  والمذاق، فقد اعترت القاضي حالة من الارتباك امام هذا الرد المفحم اطرق قليلا وراح يدوّن قراره ، ان مساحة الارض  المختلف علها  ليست بورا و يجب ان تعود لصاحب البئر فتهلل وجها ابي طوني  والفلاح بالابتسامة العريضة وانتصر الحق على الباطل ، والحكاية الثانية لا تقل اثارة عن الاولى وبنفس ذريعة الارض البور فهناك مئات الدونمات في ارض البطوف تحمل اسم ارض العطل وعند ترسيم الارض وتسجيلها اكتشف ممثل السلطة ان الاسم يعني له شيئا مهما فسال لعابه وتدفّقت شهيته لمصادرة الارض بذريعة انها عطل وتدخل في نطاق الارض البور. فلجأ الى القضاء يطالب الفلاحين بالتخلي عنها لم يفوّت الفلاحون فرصة بتوكيل ابو طوني  للدفاع عنهم وفي يوم بحث قضية المصادرة في المحكمة وقف ابو طوني في قاعة المحكمة كالطاووس نافشا حاله في عباءته شامخ الرأس، فبنباهته المفرطة وفطنته الجارفة دهمته فكرة قوية للدفاع وانفرجت اساريره ، فطلب الحاكم من ابي طوني ان يتقدم بدفاعه وكانت ابتسامة هزء قد علت شفتيه فراح يعرض فكرته  وقال يخاطب القاضي فيا سعادة القاضي كم انسان في هذه الدنيا يحمل اسم نمر واسد ووحش وذئب وغزال وغيرها من اسماء الحيوانات ، وهل القانون  يجير و يسمح بقتل هؤلاء البشر كونهم يحملون اسم حيوان ؟ والعطل ارض زراعية وصالحة للزراعة وتزرع سنويا بالبطيخ والسمسم والقمح وما ينطبق على اولئك الناس. ينطبق على هذه الارض التي تحمل اسم العطل بالصدفة وحالها كحال تلك الاسماء لاولئك الناس فبدت الحيرة على وجه الحاكم وبعد اخذ ورد وجدال قرأ ابو طوني النجاح في عيني القاضي ،قال الحاكم رفعت الجلسة  وسيصدر القرار بعد ساعة، مرت الساعة وكان ابو طوني يزهو بين موكليه واثق بالنجاح وبعد الساعة  صدر القرار الارض ملك الفلاحين . وهناك حكاية اخرى مع حاكم لواء الشمال سيئ الصيت (  يسرائيل كنج ) سنة 1974 في محكمة العدل العليا اشد اثارة من الحكايتين وحكايات اخرى كثيرة محفورة في ذهن فلاحي عرابة يرددونها دائما اتركها لضيق المكان وسأعود اليها في مناسبة   اخرى، تؤكد انه نال شرف اسم محامي الارض  عن جدارة و ليس اعتباطا . واذ اكنا اليوم نقف لنحيي ذكرى يوم الارض  الماجد الخالد فقد كان لابي طوني الباع الطويلة في تأجيج حماس الجماهير وتشهد له الايام على ومواقفه الصلبة ضد مصادرة الارض بشكل عام وارض المل بشكل خاص عادت بي الذاكرة الى مساء يوم 28|3|1976 وفي وقت كان سيل ارتال المجنزرات وناقلات الجنود تتدفق وتَمُرّ بشارع دير حنا، عرابة وسخنين لتصب في ا رض المل المعروفة (منطقة9) بالقاموس العسكري الاسرائيلي وقمم الجبال المحيطة بقرى مثلث يوم الارض لتزرع الخوف وتدب الرعب في نفوس الاهالي  لتحول دون تنفيذ الاضراب.

 كان ابو طوني يقف  في اجتماع شعبي حاشد في ساحة امام نادي الهستدروت يزأر بصوته متحديا الارهاب ويدين قرار المصادرة الظالم ويحض الناس على الاضراب دون خوف او وجل ليقاطعه الحشد بالتصفيق الحاد وما ان انتهى من القاء كلمته الحماسية حتى تفجر الغضب في داخل نفوس الشباب فانطلقت في مظاهرة   حاشدة على مرأى من الجنود في الناقلات ردا على محاولات السلطات البائسة في ترهيب الناس وسارت المظاهرة حتى اندفع اعضاء المجلس لايقافها تحاشيا للصدام مع  الجنود و المجنزرات التي كانت تهدر بقرقعاتها القريبة، لم يكن خطاب المناضل حنا نقارة  خطابا عاديا ولم يكن المصل الذي غذّى روح الشباب والشحنة المؤثرة  على رفع المعنويات فحسب لا بل كان الجذوة التي اشعلت لهيب يومي 30 و29|3|1976 وما كان لها من تداعيات في قرية عرابة ومثلث يوم الارض في الـ 30 من أذر سنة 1976 هذا غيض من فيض من سيرة حياة محامي الارض والشعب النضالية المناضل الشيوعي البطل حنا ذيب نقارة - ابو طوني الذي ترك بصماته من على صفحات تاريخ الحزب في الدفاع عن حقوق الشعب القومية واليومية والوطنية .

(عرابة)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب