قدم الباحث الدكتور "يارون ران " من جامعة بار ايلان دراسة موسعة عن الصهيوني المعروف، الذي تنسب له القاب كثيرة المدعو الياهو ساسون، فقد استغرق الباحث المذكور مدة طويلة في مهمته التي استمرت حوالي ثلاثة عقود، جمع خلالها تفاصيل هامة عن حياة الياهو ساسون، ودوره في خدمة الحركة الصهيونية، خلال سنوات الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي، وكشف عن دوره في تجنيد العملاء لخدمة الحركة الصهيونية في العديد من الأقطار العربية، خاصة الأردن سوريا لبنان وفلسطين.
ولد الياس ساسون عام 1900 في حارة اليهود في دمشق عاصمة سوريا التي كانت لا تزال تحت الحكم العثماني، وينتسب والداه داود وسارة الى عائلة أبو العافية المعروفة، عمل والده في تجارة الأقمشة في سوريا، وكان أحد وجهاء الطائفة اليهودية تربطه علاقات مميزة مع العرب.
يذكر الباحت "يارون ران" بأن والد الياس ساسون الذي عُرف فيما بعد بالياهو ساسون كان شغوفًا بتربية ابنه تربية عربية رغم حرصه على الديانة اليهودية، وكان يقول دائمًا بأننا يجب أن نتعلم من أجددانا يهود الاندلس الذين عاشوا بين العرب عيشة حسنة، تمتعوا خلالها بالحرية الكاملة، فبرز منهم العلماء والشعراء والأطباء والأدباء والفلاسفة، والمناخ الحياتي في سوريا لليهود كان امتدادًا للمناخ الاندلسي، بفضل تربية والده أصبح الياهو ساسون يهوديًا في ديانته وعربيًا في تربيته وثقافته ولغته.
خلال المرحلة الشبابية التي عاشها الياهو ساسون، تعرضت سوريا لتقلبات سياسية هامة، بدأت بالانقلاب الذي قامت به حركة الاتحاد والترقي ضد السلطان عبد الحميد عام 1908، تبع هذا الانقلاب انقلاب حاسم غير وجه بلاد الشام قاطبة سياسيًا وجغرافيًا وهو الحرب العالمية الأولى، غيرت هذه الحرب خارطة الشرق الأوسط، فقد احتلت قوات بريطانيا فلسطين وسيطرت القوات الفرنسية على ساحل لبنان، ووقعت دمشق تحت سيطرة قوات الأمير فيصل ابن الشريف حسين بمساعدة الحلفاء، وقد اعتقد فيصل حينها بأنه حرر سوريا وباستطاعته أن يحكمها، فسارع لتشكيل حكومة عربية في دمشق وأصبح ملكًا على سوريا، لكن فرنسا سارعت إلى طرده، واحتلت دمشق وأعلنت انتدابها على سوريا ولبنان.
يذكر الباحث "يارون ران" بأن الياهو ساسون تأثر من هذه التحولات الدراماتيكية، خاصة أنه كان من أوائل يهود دمشق الذين انهوا تعليمهم الثانوي، وأن هذه الأحداث أيقظت روح الصهيونية الشريرة في داخله على الرغم من أنه درس في مدارس عربية داخل سوريا، يشير الباحث بأن ساسون استغل الكثير من زملائه الذين تخرجوا معه وكانوا من خيرة قادة الحركة الوطنية السورية من سياسيين وعسكريين، فقد اعتبر نفسه واحدًا منهم، ويدعي الباحث بأنه آمن بإمكان إيجاد الكثير من القواعد المشتركة في التعاون والتآخي بين العرب واليهود في سوريا، وفي كل قطر من أقطار الشرق الأوسط، وجدير بالذكر أن ساسون تأثر للغاية من الحضارة العربية كان يعشق اللغة العربية كما يدعي الباحث. لكنه تغير عندما جاء الى فلسطين عام 1927، والتقى مع القيادات اليهودية التي طلبت منه بأن يكون جسرًا بين الحركة الصهيونية وبين جميع معارفه من القادة والزعماء العرب، خاصة القيادات السياسية داخل سورية وخارجها.
بعد عودته الى سوريا استمر في تواصله مع القيادات اليهودية، عمل مراسلًا لعدد من الصحف العبرية التي كانت تصدر في فلسطين زمن الانتداب، كان يحاول دائمًا التوفيق بين محاولاته وخدمته للحركة الصهيونية وبين احترامه وتقديره لحركة التحرير العربية في سوريا، ومن أجل اثبات اخلاصه لهذه الحركة الوطنية في سوريا انضم الى النادي القومي السوري.
يذكر الباحت يارون ران بأن الياهو ساسون استطاع استغلال وطنيته العربية السورية لتقديم أهم الخدمات واخطرها إلى الحركة الصهيونية، وقد أطلع هذه الحركة على تحركات القيادات العربية في فلسطين وسوريا، منذ قيام حكومة فيصل في دمشق وأطلعهم على أسماء هذه القيادات وحياتهم الخاصة ومواقفهم السياسية خاصة من الحركة الصهيونية، وأطلعهم أيضًا على مدى تعاونهم مع قيادات حركة التحرر في فلسطين، ومن بين الشخصيات التي اصطدم معها الياهو ساسون في فلسطين المفتي محمد أمين الحسيني.
كان مأخذ الياهو ساسون على المفتي أنه – أي المفتي – من أكبر المحرضين على الحركة الصهيونية، خاصة بعد أن هرب من وجه السلطات البريطانية في فلسطين إلى سوريا، لأن هذه السلطات اتهمته بالوقوف وراء المواجهات التي وقعت بين العرب واليهود في فلسطين خاصة ثورة البراق عام 1929.
حظي ساسون في موقفه من المفتي بدعم وتأييد أحد وجهاء اليهود في سوريا ويدعى "يوسف يوئيل ريفلين" والد رئيس الدولة الحالي، ريفلين الأب كان يعمل في دمشق مديرًا لمدرسة البنات العبرية وتذكر المصادر بأنه كان من أوائل الذين حذروا القيادة الصهيونية في فلسطين من خطورة وجود تكتلات عربية وطنية قومية في سوريا تعمل على محاربة الخطر الصهيوني في المنطقة، واتهم المفتي بأنه كان يقود هذا التحريض وإلى جانبه الباحث المعروف عارف العارف، كما اتهموا أنهم كانوا يخططون لاغتيال هربرت صموئيل أول مندوب سامي بريطاني على فلسطين، وكان يهوديًا متطرفًا.
حاول المفتي أن يحاصر الياهو ساسون ومنعه من التحرك والانتقال بين الأقطار العربية واتهمه أنه يحمل شعارات العروبة للتستر على خدمته للصهيونية، خاصة وأن ساسون كان يدعي بأن سلطات الانتداب الفرنسي تلاحقه في سوريا لأنه وقف ضد الفرنسيين في سياستهم.
تم أول لقاء بين ساسون وبين مفتي القدس عام 1928، وقد كان الهدف من هذا اللقاء إيجاد التفاهم حول حق اليهود بالعبادة فيما يسمى حائط المبكى، فشل هذا اللقاء بإيجاد صيغة مشتركة وواصل المفتي اتهامه لساسون وريفلين والقيادات اليهودية في فلسطين بأنهم يخططون للاستيلاء على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، وقد فند ساسون هذا الاتهام من خلال مقال نشره باللغة العربية هاجم من خلاله سياسة المفتي واتهمه بأنه يرفض أي نوع من التعاون بين العرب اليهود.
إضافة تعقيب