المحك الاساسي للوطنية الحقيقية الصادقة يتجسد في خدمة المصالح الوطنية والوقوف التضامني الى جانب ضحايا القهر والظلم والعدوان، ولكن في عهد العولمة الرأسمالية المتوحشة وهيمنة القطب الواحد الامريكي واستراتيجيته لعولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم، جرى خلط الاوراق بشكل تزويري وتضليلي منهجي لطمس الفوارق الجوهرية بين الخير والشر، بين التحرر والمناهضة لاستراتيجية العدوان الامبريالية اصبحت تُعرّف في القاموس السياسي الامبريالي العدواني بأنها ارهاب، اما من يدجن في حظيرة خدمة مصالح استراتيجية العدوان ويتواطؤ معها فيعرف بالوطني"المعتدل"!! وبناء على هذه المغالطة التضليلية لا مكان على ساحة التطور والصراع لقانون الصراع الطبقي والمصالح الطبقية ولا لحركات التحرر الوطني وصراعها ضد المستعمرين والمحتلين ومن اجل الاستقلال الوطني.... الخ، ولا يبقى من وجهة نظر اعداء الانسانية سوى التقسيم الترللّي الوحيد وكأن الصراع في عالمنا ومنطقتنا هو بين "المعتدلين" والمتطرفين الارهابيين. وشعبنا العربي الفلسطيني وقع فريسة الجزارين المحتلين الاسرائيليين من جرائم هذا التقسيم الامبريالي الامريكي – الاسرائيلي للصراع.
ووفقا لهذا التقسيم يلبس الاحتلال الاسرائيلي "قبعة الاخفى" وكأنه لا يوجد احتلال اسرائيلي ولا مقاومة فلسطينية لها الحق الشرعي في مقاومته حتى زواله وتطهير ارضها من دنس قطعان مستوطنيه بل ما هو موجود حسب دعاية اعداء الحقوق الوطنية الفلسطينية الشرعية هو صراع بين القوى "المعتدلة" وتشمل جميع الانظمة العربية المدجنة امريكيا – اسرائيليا او المتواطئة مع استراتيجيتها العدوانية، وتشمل الانظمة في مصر والدمى في العراق المحتل والاردن والمغرب والسعودية وانظمة دول الخليج وغيرها واسرائيل وتركيا. وقد برز هذا في الموقف المتواطئ والمتخاذل مع الحرب العدوانية الاسرائيلية الامريكية ضد المقاومة والشعب اللبناني، كما يبرز اليوم في الموقف المتخاذل والمتواطئ مع حرب الابادة العدوانية التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي وحكومة مجرمي الحرب ايهود اولمرت وتسيبي ليفني وبتأييد جميع الاحزاب الصهيونية التي يراهن بعضها على شلالات الدم الفلسطيني المسفوك لرفع اسهمه الانتخابية. ومقابل "جبهة المعتدلين" يضعون حسب هذا التقسيم الانظمة والبلدان "المارقة والارهابية" وخاصة ايران وسوريا وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية وكوريا الشمالية وغيرها. وهنا لا بد من التأكيد عن الفوارق الشاسعة بين موقف الشعوب العربية التي خرجت بألوفها المؤلفة في مظاهرات الاحتجاج والغضب في جميع البلدان العربية تدين مذبحة المجرمين المحتلين ضد اهالي قطاع غزة وتطالب بوقف نزيف دم العدوان وبالوحدة الوطنية الفلسطينية، وبين موقف بعض الانظمة العربية التي تعيش في غربة عن موقف شعوبها وتتواطأ مع الجزارين المعتدين وتتخاذل في تقديم دعم جدي يوقف العدوان وينصر الحق الفلسطيني المشروع.
وقد مرت ستة ايام على بدء الحرب الهمجية الاسرائيلية التي قصفت حتى كتابة هذه السطور اعمار حوالي اربعمئة شهيد وشهيدة واكثر من الفي جريح وجريحة من المقاومين والشباب والنساء والاطفال اضافة الى تدمير البيوت السكنية ودور العبادة والجامعات والجوامع والمدارس والبنية التحتية من مقرات شرطية ومدنية وشوارع ونواد... رغم كل هذه الجرائم لم يتحرك الدم المتخثر في شرايين بعض انظمة الخمة العربية الذين يرفضون عقد قمة عربية. يدعي بعضهم ان عقد القمة يحتاج الى اعداد جدي وجيد!! هل يقصدون بهذا الاعداد بعد اتمام اجتياح قطاع غزة واغراقه ببحر من دماء شعب عصي على الكسر والهزيمة!! لا احد من الفلسطينيين وقادتهم يطالب الانظمة العربية بالتدخل عسكريا لنصرة شعبهم ومحاربة اسرائيل، بل يطالب الانظمة العربية باستغلال الوسائل الكثيرة التي بحوزتهم لكبح جماح المحتل وسنده الامريكي ووقف نزيف دم العدوان الوحشي الاسرائيلي. بامكانهم قطع جميع اشكال التطبيع العربي، السياسي الدبلوماسي والاقتصادي – التجاري والثقافي للضغط على المحتل ليوقف مذبحته الاجرامية في قطاع غزة. بامكانهم استغلال سلاح النفط للضغط على حلفاء العدوانية الاسرائيلية في الاتحاد الاوروبي وامريكا واليابان، بامكان مصر الغاء اتفاقية تزويد اسرائيل بالغاز وسحب سفيرها والسفير الاردني والموريتاني من اسرائيل وتفعيل سلاح المقاطعة العربية. بامكان السعودية ودول الخليج النفطية وغيرها التي تملك فائضا ماليا ومليارات الدولارات وغيرها من العملة الصعبة ان تهدد بعدم مساعدة البلدان المأزومة بانياب اعصار الازمة المالية العالمية، ان تهدد امريكا والبلدان الاوروبية لدفعها للضغط على عرّابها وشريكها العدواني اسرائيل لوقف نزيف عدوانه!!
ان الانظمة العربية "المعتدلة" قد رفضت عقد مؤتمر قمة عربي سريع طالبت بعقده ليبيا وسوريا واليمن وقطر، رفضت لانها لا تريد تحمل مسؤولية اتخاذ اجراءات عينية ومحددة، كالتي ذكرت خوفا من اغضاب ومن "زعل" الاسياد في واشنطن وتل ابيب. ونترك للشعوب تحديد الموقف من انظمتها، فالشعوب الصابرة على الضيم والظلم والتواطؤ تمهل ولا تهمل. والخزي والعار للمعتدين والمتواطئين، "ويا غزة لا تهتزي كلك بطولة وعزة" والنصر للحق الفلسطيني بالتحرر والاستقلال الوطني، والاحتلال وجرائمه ودنسه الاستيطاني الى زوال حتما".