news

التغيير الثوري في القرن الـ 21 هدف مُلِحّ وقابل للتحقيق!*

ممكن وواقعي!
هنا في ضيافة رفاقنا في الحزب الشيوعي الصيني نتعلم بشكل ملموس بأن التغيير الثوري ممكن وواقعي. فبعد أربعين عاما من إطلاق عملية "الإصلاح والافلاح"، ومن تطوير الاشتراكية ذات الخصائص الصينية فقد نجحت الصين في تأمين الاحتياجات الاساسية لأكثر من مليار إنسان، وجعلت من الممكن للشعب بشكل أساسي، أن يعيش حياة كريمة لائقة والسعي الى التحول قريبا الى مجتمع يحقق الازدهار ولو بشكل معتدل.. اليوم، إذا كانت الأهداف الامبريالية الكبرى مغموسة بالعدوانية ومتداخلة مع الحروب، فإن الحلم الاشتراكي الصيني يمكن ان يتحقق فقط في بيئة دولية سلمية وفي ظل نظام دولي مستقر ومتوازن.



نلتقي من شتى أنحاء العالم لإحياء الذكرى المئوية الثانية لميلاد كارل ماركس، ليس لنتحدث عن الماضي وإنما لنتناقش حول الهموم الثورية للشيوعيين في الحاضر؛ ليس لنتحدث عن الماضي وانما لنجري حديثاً ماركسياً حول مستقبل البشرية ومستقبل الطبقة العاملة العالمية في القرن ال- 21، آخذين في الاعتبار أن اسس الماركسية وأفكارها ليست في أي حال اختراعا أنجزه هذا العبقري أو ذاك، حتى ولو كان اسمه كارل ماركس، وإنما هي التعبير العام عن العلاقات الفعلية للصراع الطبقي الجاري.
إن جوهر الأيديولوجيا البرجوازية يقوم على فهم المجتمع الرأسمالي على أنه ثابت وأبدي وخالد. وعلى فهم قوانين عمل الرأسمالية على أنها قوانين كونية ثابتة ودائمة للحياة الاجتماعية. وبينما يؤكد ماركس على الطابع التاريخي للرأسمالية، وأن لكل فترة تاريخية القوانين الخاصة بعملها، فإن الأيديولوجيا البرجوازية تنكر الطابع التاريخي للمجتمع الرأسمالي الحاضر، وتنكر الطابع التاريخي لنشوئه، وتتنكر لمجرد الإمكانية والحاجة والضرورة لتغييره تغييرا ثورياً.
منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية في دول أوروبا الشرقية، حاول طفيليو الرأسمالية تجذير القناعة لدى ضحايا الاستغلال والقهر في المجتمع الرأسمالي بعدم وجود الإمكانية لإحداث تغيير جوهري، وبغياب أية إمكانية للتغيير الثوري على أي حال، مركزين جهودهم على ترسيخ مفاهيم مثل نهاية التاريخ ونهاية الأيديولوجيا.
وفي الوقت الذي يعمل فيه رأس المال على تخفيض كلفة العمل في عصر العولمة الرأسمالية بشكل خاص، يبرز تعاظم التناقض بين فائض الانتاج من جهة، وبين إفقار العاملين من الجهة الاخرى، حتى في بلدان المركز الرأسمالي. إن هذا التناقض الحاد ليس تناقضا محصورا في المجال الاقتصادي وعلاقات العمل بمعزل عن مجالات الحياة الاجتماعية الأخرى. فإن الأزمة الرأسمالية الاقتصادية الحالية تهدد الديمقراطية، وإنجازات الطبقة العاملة والسلام العالمي. في واقع القرن ال-21 يبدو الوضع الاجتماعي لعالمنا بائسا، جليا، واضحاً: الفوارق الاجتماعية – الاقتصادية هائلة، الضائقة والبؤس، الفقر والبطالة، الحروب وتسليع العلاقات الانسانية، تدمير شبكة الأمان الاجتماعي والكوارث البيئية - إن هذا الوضع المرعب يتطلب تغييرا ثوريا.
إن الحزب الشيوعي الاسرائيلي، يعتبر أن التغيير الثوري الذي يقوده الشيوعيون لا بد أن يجري في ظروف القرن ال-21، وضد أعداء الطبقة العاملة كما يظهرون في القرن ال-21، ومن خلال الأدوات النضالية التي يوفرها لنا ويضعها في أيدينا القرن ال-21.
في مواجهة تعمق التقاطب الاجتماعي والفجوات الطبقية والاجتماعية الحادة في ظل الرأسمالية، والسياسات الليبرالية الجديدة المتطرفة، والحروب الامبريالية العدوانية، فإن المزيد من الناس يفتشون عن بديل اشتراكي وعن عدالة اشتراكية. إن جوهر الاشتراكية يكمن في قيادة عملية التحرر الذاتي للطبقة العاملة، وتحرير قوى الانتاج وتطويرها، والقضاء على الاستغلال، ووضع حد للتقاطّب الاجتماعي وفي نهاية المطاف تحقيق الازدهار للبشرية.
وهنا في ضيافة رفاقنا في الحزب الشيوعي الصيني نتعلم بشكل ملموس بأن التغيير الثوري ممكن وواقعي. فبعد أربعين عاما من إطلاق عملية "الإصلاح والافلاح"، ومن تطوير الاشتراكية ذات الخصائص الصينية فقد نجحت الصين في تأمين الاحتياجات الاساسية لأكثر من مليار إنسان، وجعلت من الممكن للشعب بشكل أساسي، أن يعيش حياة كريمة لائقة والسعي الى التحول قريبا الى مجتمع يحقق الازدهار ولو بشكل معتدل.


التضامن العمالي العالمي ليس خيارا أخلاقياً فقط وانما واجب ثوري!


إن الإمبريالية معادية دائما للعدل وللديمقراطية الحقيقية ومناقضة لهما، وكانت وما تزال تقاوم أية محاولة لتخلص الشعوب والطبقة العاملة من قبضة الرأسمالية العالمية والخضوع لمشاريع هيمنتها، وما زالت تعمل على طول الطريق على قمع أية طموحات للتحرر من هيمنتها وإملاءاتها السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية. في عصر الامبريالية بشكل خاص، فإن رأس المال المُعَوْلَم ينظّم دعما عالميا لأي نظام رجعي، ويساعد رأس المال المحلي في دول شتى، على قمع أية محاولة للتحرر من التبعية لمشاريع الهيمنة الامبريالية بما في ذلك من خلال رعاية الارهاب واللجوء الى وسائل إرهابية.
ولهذا السبب يصبح التضامن العمالي العالمي وتضامن القوى التقدمية في العالم مع الشعوب المناضلة من أجل حريتها وتحررها وحقوقها – ليس مسألة أخلاقية وخيارا إنسانيا فقط وانما بالأساس واجباً ثورياً. إن مثل هذا التضامن ضروري الآن، ربما أكثر مما كان في الماضي، مع المقاومة الشعبية البطولية التي يقوم بها الشعب الفلسطيني، الذي يواجه مجازر الاحتلال الاسرائيلي وحربه الفاشية وجرائم الحرب التي يرتكبها في غزة وفي القدس الشرقية المحتلة وإدانة الاستفزاز الامريكي الاسرائيلي بنقل السفارة الامريكية الى القدس الشرقية المحتلة.
إن تضامن القوى التقدمية في العالم مع سوريا في معركتها ضد الحرب الارهابية المعولمة عليها لتفكيكها وتفتيت شعبها، والتضامن مع الشعب اليمني الذي يتعرض لحرب إبادة تقودها السعودية وتدعمها الامبريالية الامريكية هي واجب ثوري وعالمي ايضا.
إن المطلوب من القوى الثورية والتقدمية في العالم اليوم إدانة واسعة للتهديدات والابتزازات النووية الامبريالية التي توجهها الولايات المتحدة الى كوريا الشمالية وإيران، في الوقت الذي تنسحب فيه الادارة الامريكية بشكل غير قانوني من الاتفاق النووي مع ايران، وتغض الطرف عن الترسانة النووية الاسرائيلية التي تشكل مصدر الخطر النووي الحقيقي في الشرق الاوسط.


نهاية نظام القطب العالمي الأوحد!


في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية 1989-1990، وهجمات الحادي عشر من ايلول 2001، انبرت الولايات المتحدة لإعادة تحديد وتعريف أهدافها الاستراتيجية الكبرى للعصر العالمي الجديد الناشئ، وصياغة نظام القطب العالمي الاوحد، والعمل بشكل منهجي لمنع ظهور دولة عظمى أخرى في عالمنا الى جانب الولايات المتحدة الأمريكية مهما كلّف الأمر. وبعد هجمات الحادي عشر من أيلول في نيويورك أصبح هذا توجها منهجيا، وتفكيرا مؤسسا في الاستراتيجية الامريكية لتحقيق هيمنتها الامبريالية الكونية. ولا بد من التوقف عند الحقيقة الساطعة، أنه في العام 2018 تنشر الولايات المتحدة الامريكية أكثر من 1000 قاعدة عسكرية في أكثر من 80 بلدا من بلدان العالم، في أكثر مناطق العالم حساسية وتوترا، وتشكل هذه القواعد حوالي 95% من القواعد العسكرية الاجنبية المنتشرة في العالم.
في السنوات التي تلت هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، تركزت مراكز الابحاث الاستراتيجية في الولايات المتحدة في تحديد ستة أهداف استراتيجية كبرى لضمان استمرار تفوق الولايات المتحدة كما نشرها مركز الأبحاث الاستراتيجية التابع للبنتاغون في العام 2005 : 1- الدفاع عن أمن إسرائيل 2- تدمير "الإرهاب الإسلامي" 3- التحكم بمراكز احتياطي الطاقة 4- التحكم بطرق التجارة العالمية 5- تطويق روسيا 6- تطويق الصين.
مقابل هذا التوجه الامبريالي الخطير، طرح الرئيس الصيني وزعيم الحزب الشيوعي الصيني شي جينبينج توجها مختلفا ومفهوما بديلا للعلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين، يقوم على عقلية الإفادة المتبادلة والمصلحة المشتركة، على قاعدة مبادرة الحزام وطريق الحرير. وهو بذلك طرح وجهة الحزب الشيوعي الصيني البديلة وفي صلبها السعي الى بناء منظومة دولية تحمل مستقبلا مشتركا للبشرية، تقوم على التطور السلمي، وتواصل السعي الى استراتيجية الإفادة المتبادلة والانفتاح من خلال تحقيق المصالح المشتركة وتفكير جديد يقوم على نظام أمن شامل ودائم ومتعاون.
إن انطلاق الصين نحو تحقيق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لعصر جديد، والتغيرات العميقة في قدرات روسيا الاستراتيجية ودورها العالمي في تحالفها الاستراتيجي الآخذ بالتطورمع الصين، ونجاح تفاعل منظمة دول البريكس، وتطور منظمة دول اتفاقية شانغهاي ومجموعة دول أورآسيا الاقتصادية من جهة، وفشل العدوان الامبريالي الامريكي على سوريا ومخططات تفكيكها، وتعثر مشاريع الهيمنة الامريكية على المنطقة من الجهة الأخرى، كل هذه تشكل بشائر لولادة نظام عالمي متعدد الاقطاب، يعطي أملا للشعوب المناضلة من أجل التحرر من الهيمنة الامريكية وإملاءاتها.
وإذا كانت الأهداف الامبريالية الكبرى مغموسة بالعدوانية ومتداخلة مع الحروب، فإن الحلم الاشتراكي الصيني يمكن ان يتحقق فقط في بيئة دولية سلمية وفي ظل نظام دولي مستقر ومتوازن. إن هذا الحلم الاصيل ليس حلما صينيا فقط، ولكنه حلم الطبقة العاملة العالمية كلها ومصلحة مباشرة للشعوب وطبقاتها الشعبية المناضلة في العالم قاطبة. واعتمادا على هذا التحالف والتفاعل بين قوى الاشتراكية والشيوعية وضحايا الامبريالية والقوى المناهضة لها يمكن ان يتحول الحلم البديل للرأسمالية المتوحشة الى حقيقة عالمية راسخة!
*المداخلة التي قدمتُها في مؤتمر شين جين الدولي في الصين 28.5.2018 لمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد كارل ماركس، وآفاق الاشتراكية في القرن ال-21، بمشاركة ممثلين من 112 حزبا شيوعيا وتقدميا وبدعوة من الحزب الشيوعي الصيني.