قبل حوالي ثلاثين سنة تمت دعوة مجموعة من الصحافيين العرب لزيارة اليمن، لمناسبة تدشين سد مأرب، الذي اقيم بعد ألف سنة او يزيد، على انهيار السد الشهير الذي يذكره المؤرخون كمحطة بارزة في تاريخ تلك المنطقة.
كانت الطريق بين صنعاء ومأرب مزينة باللافتات حاملة التقدير وشاهدة على فضل رئيس دولة الامارات، الشيخ زايد بن نهيان في اقامة هذا السد الذي سيحول الارض الصخرية القاحلة إلى حدائق وبساتين تطعم أهلها وتشهد على قدرتهم على الانجاز.
أما في منطقة السد المنوي افتتاحه، فكانت اللافتات وصور الشيخ زايد ترفرف في الجو وتغطي مقاعد الضيوف، في حين كان اليمنيون يفاخرون بأن الشيخ زايد يتحدر من اصول يمنية.
لم يحضر الشيخ زايد شخصياً، يومها ذلك الاحتفال، وأبدى كثير من اليمنيين خيبة املهم وعتبهم على “ابنهم الشهم” الذي غاب عن انجاز يفاخرون به، ويقدرون له مساهمته الخيرة في انجازه.
اليوم تهاجم قوات عسكرية تحمل راية دولة الامارات اليمن، و”تحاصر” الحديدة بعدما “احتلت” عدن، وبعدما “غزت” قواتها جزيرة سوقطره اليمنية.. وتسارع الولايات المتحدة الاميركية إلى “تحذير” الامارات من احتلال مدينة الحديدة التي يزيد عدد سكانها عن اهل دولة الامارات مجتمعين..
وليس السؤال عن جنسية هؤلاء الجنود المنتظمين في “جيش الامارات” وكم منهم من اصول يمنية، وكم من المرتزقة، وكم من جماعة “البلاك ووتر”، بل عن اهداف هذه الدولة الصغيرة، برغم غناها الهائل، من احتلال بعض اليمن، بالتنافس مع السعودية التي تقاتل اليمن منذ ثلاث سنوات، بالتحالف مع الكوليرا والفقر ثم الفقر ثم الفقر!
مرت ذكرى الخامس من حزيران بصمت يليق بالهزيمة التي قد تكتب التاريخ العربي الحديث.
رحل جمال عبد الناصر مكسور الجناح، على بعد خطوات من الرد على هزيمة 1967 بالنصر العظيم في حرب العاشر من رمضان، السادس من تشرين الاول (اكتوبر) 1973.. والذي اجتهد انور السادات لاغتياله بتنفيذ مشورة كيسنجر، وزير الخارجية الاميركية آنذاك، فأوقف الحرب على الجبهة المصرية تاركاً سوريا وحدها تواجه القوات الاسرائيلية التي تفرغت لقتال الجيش السوري الذي كان قد نجح ـ في قفزته الأولى ـ في تحرير معظم الجولان.
ستمتد مسيرة الانحراف من الصلح بين السادات ومناحيم بيغن في كمب ديفيد بالرعاية الاميركية، إلى مؤتمر مدريد، فمعاهدات الصلح التي تسابق إلى عقدها ملك الاردن، ليتبعه بعد حين ياسر عرفات، مفترضاً أن اللقاء مع قيادة العدو هو خطوة نحو التحرير.
بعد نصف قرن او يزيد قليلاً، نكتشف أن العدو الاسرائيلي قد احتل او يكاد يحتل الارادة العربية.. وان العديد من الدول العربية لا سيما في الخليج، تتقدم، وهي التي لم تحارب، نحو الاستسلام بلا طلب ولا ثمن، فترسل الوفود إلى دولة العدو، وتقاتل سوريا في ارضها بالعصابات المسلحة، وتضغط على لبنان للتخلص من “حزب الله” الذي قاتل العدو الاسرائيلي فانتصر بإجلاء قواته من ارضه المحتلة، في مثل هذه الايام من العام 2000، ثم قاتلها مرة أخرى عند محاولته اجتياح لبنان في صيف العام 2006، فرده على اعقابه خائبا مهيض الجناح.
لكن التاريخ لن ينتهي غداً، وبالتأكيد فان الاجيال الجديدة لن تعيش خانعة في ظل الهزيمة..
وها هم شباب فلسطين المحتلة والمحاصرة، براً وبحراً وجواً، يقاتلون ولو بالحجارة، ويواجهون عدوهم بصدورهم العارية، فيتحرك الرأي العام حتى في الدول الغربية التي كانت تناصر اسرائيل ضد شعب فلسطين تنتبه إلى الخطأ بل الخطيئة في موقفها فتبدل من موقفها وتعلن تأييدها للشعب الذي يقاتل بلحمه وحيداً..
.. والنصر يرتبط بإرادة القتال وحماية شرف الانتماء إلى هذه الامة..
والهزيمة ليست قدراً.. وتاريخ الشعوب شاهد وشهيد..
(كاتب لبناني بارز، موقع "على الطريق")