في العاشر من شباط القادم الفين وتسعة، ستجري الانتخابات البرلمانية في البلاد، دائما قلنا ان لهذه المعركة اهمية خاصة. والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان ان هذه المعركة الانتخابية لها اهمية خاصة ودلالات خاصة. من المعروف ان هذه الانتخابات جاءت ليس في موعدها، بل مبكرة وذلك بسبب الاتهامات الموجهة لرئيس الحكومة ايهود اولمرت بالغش وتلقي الرشى وعلى خلفية فشل العدوان على لبنان عام 2006.
قبل شهرين من يوم الانتخابات، كانت المعركة الانتخابية، تغط في سبات عميق، واستطلاعات الرأي كانت تعطي الليكود فوزا ملحوظا فيها، على حساب حزب كاديما الذي فشلت زعيمته تسيبي ليفني باقامة ائتلاف حكومي برئاستها بعد تنحي زعيمه اولمرت. اما حزب العمل فكانت تتنبأ له استطلاعات الرأي بهزيمة نكراء وبفقدان المكان الثالث في الكنيست المقبلة.
في الشهرين الماضيين شدد الاحتلال من بطشه وملاحقاته وقتله لكوادر وقيادات حماس والجهاد الاسلامي في الضفة الغربية وعاد للتحرش والاغتيالات في قطاع غزة رغم سريان مفعول التهدئة بينه وبين حماس بوساطة مصرية، بالاضافة الى احكام الحصار واغلاق المعابر ومنع وصول الوقود والدواء والتموين والحاجات الضرورية لحياة الاهالي في غزة الابية.
يتضح الآن ما كنا نعرفه ان اسرائيل وجيشها استعدت لحربها على غزة منذ سنتين،أي بعد فشل العدوان على لبنان، وانها كانت تنتظر الفرصة الملائمة من جهتها للقيام بذلك. عندما اعلنت حماس، انها لا تلتزم بالتهدئة ولن تجددها ما لم يرفع الحصار وتفتح المعابر، وتتوقف ملاحقة وقتل كوادرها وقادتها في الضفة الغربية، رأت اسرائيل الفرصة ملائمة للقيام بعدوانها الذي خططت له منذ سنتين.
وقد حاول زعماء اسرائيل وعلى رأسهم ايهود براك زعيم حزب العمل وزير الدفاع عدم الربط بين هذا العدوان البشع ومعركة الانتخابات للكنيست لكن دون جدوى. وعندما وضعت الحرب اوزارها تبين للقاصي والداني العلاقة الحميمة العضوية بين العدوان البشع الرهيب على غزة الصمود والانتخابات للكنيست. حزب العمل، حزب الجنرال ايهود براك، زادت شعبيته بين الجماهير اليهودية وخفف من تدهوره حسب استطلاعات الرأي. اما المستفيد الرئيسي انتخابيا من هذا العدوان فهو اليمين واليمين المتطرف، يسرائيل بيتينو بزعامة المأفون ليبرمان الذي لا يكتفي بالحرب والعدوان على شعبنا الصامد في غزة، بل ينادي علنا وعلى رؤوس الاشهاد بالترانسفير (الاختياري) للجماهير العربية، على ان يبدأ ذلك في المثلث الابي.
مما لا شك فيه ان الجماهير العربية عاشت وتعيش حالة من الغضب الساطع على هذه الحرب العدوانية وعلى المجازر البشعة التي ارتكبتها آلة القتل والدمار الاسرائيلية، ستجري الانتخابات البرلمانية على خلفية هذا العدوان الغاشم اما القضايا الاجتماعية فقد ازيحت جانبا رغم تعمق الازمة الاقتصادية واتساع البطالة والفقر، خاصة بين الجماهير العربية، فهي اول من تتضرر من الازمة الاقتصادية والبطالة وذلك بسبب السياسة الحكومية المبرمجة والتي ميزت ضدها للاسوأ خلال اكثر من 60 سنة.
الاحزاب الصهيونية جميعها، العمل، ميرتس، الليكود، كاديما، شاس، يسرائيل بيتينو، تتباهى انها ايدت الحرب العدوانية، مبررة ذلك بالدفاع عن اهالي مدن وقرى الحدود الجنوبية امام استمرار اطلاق صواريخ القسام. هذه الصواريخ تطلق منذ 8 سنوات، لماذا هذا العدوان الآن بالذات عشية الانتخابات للكنيست!! من الواضح تماما انهم ارادوا تسخير الدم الفلسطيني للفوز بمقاعد برلمانية، ومن الواضح اكثر انهم بعد ان اضطروا لايقاف هذا العدوان الهمجي سوف يستثمروا هذا العدوان في المعركة الانتخابية.
وكالعادة عشية كل انتخابات برلمانية تسمع اصوات بين الجماهير العربية، تدعو لمقاطعة الانتخابات، لمقاطعة البرلمان (الصهيوني) الخ.. هؤلاء الذين ينادون بذلك، خاضوا الانتخابات للسلطات المحلية في مدننا وقرانا، مع العلم ان السلطات المحلية تتنفس من رئتي السلطة المركزية من وزارتي الداخلية والمالية، اما البرلمان شكليا فهو مستقل وعليه واجب مراقبة السلطة التنفيذية الحكومة واذرعها.
من الواضح ان الداعين لمقاطعة الانتخابات، سيستغلون الالم الساطع بين الجماهير على العدوان وعلى التمييز والغبن اللاحق بجماهيرنا العربية الصامدة على ارضها، ولا اعتقد ان هؤلاء الاخوة يريدون تقديم المساعدة للاحزاب الصهيونية، الا ان دعوتهم هذه تساعد بشكل مباشر هذه الاحزاب. بالنسبة لليمين المتطرف يريد اسرائيل بدون مواطنين عرب وبدون تمثيل برلماني، الكل يعرف ان هذا العدوان سوف يساعد الاحزاب الصهيونية وبالذات المتطرفة والدينية، والمستوطنين سيخرجون لصناديق الاقتراع بنسبة عالية. المتدينون اليهود، والمتزمتون دينيا كالعادة يصوتون بنسب عالية جدا حتى الاموات منهم يصوتون، المهم تنفيذ اوامر الرابي.
الاوساط الشابة اليهودية ، تأثرت بأكثريتها سلبا، وهي لقمة سائغة بيد اليمين واليمين المتطرف، اما القوى العقلانية، القوى المتنورة السلامية اليهودية فعادة ما تصاب بعدم الاكتراث ولا تخرج للتصويت بنسبة عالية. لذلك من الاهمية بمكان خروج الجماهير العربية المظلومة لصناديق الاقتراع بنسب عالية جدا، خاصة وانه من شبه المؤكد ارتفاع نسبة الاقتراع بين الجماهير اليهودية.
واجب الجماهير العربية استغلال حقها بالاقتراع لتقول كلمتها ولمحاسبة سلطة الاضطهاد القومي والتمييز العنصري، ولمحاسبة منتخبيها ومطالبتهم بتقديم وكشف الحساب. الجماهير العربية لا يمكنها ان تكون متفرجة على ما يحدث في المجتمع الاسرائيلي.بل من واجبها المساهمة باحداث التغيير وان لا تقصي نفسها طوعا عن مراكز صنع القرار في القضايا المفصلية. الحرب، السلم، المساواة والفقر البطالة، هذه الامور تقرر بالمؤسسات المنتخبة، البرلمان والحكومة..
واجب الساعة وواجب كل انسان موضوعي، تقوية الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة اليهودية العربية وزيادة قوتها في البرلمان. لأنها اثبتت على ارض الواقع وبالتطبيق الفعلي، انها جبهة كفاح، جبهة نضال، وليست جبهة المكاتب المكيفة، بعيدة عن التعصب الطائفي وعن التعصب القومي والانغلاق الطوعي وانها تخدم المصلحة الحقيقية لشعبي هذه البلاد. الكل يشهد لها انها كانت السباقة في المعارك المعادية للحرب والعدوان، وانها كانت المبادرة للتظاهرات والمسيرات والمظاهرات اليهودية العربية، ليس فقط في المدن والقرى العربية – بل في حيفا وتل ابيب، وحتى في كرميئيل التي اقيمت على ارض الشاغور العربية. الجبهة الدمقراطية وكتلتها في الكنيست، ربطت بين القضايا السياسية الحرب والسلم وبين القضايا اليومية المطلبية. تحدثت الجبهة بلغة واحدة لليهود والعرب، ولم تتحدث بلغتين كما تفعل احزاب السلطة بين الجماهير.
لم يعد ملائما شعار انزال الاحزاب الصهيونية لأقلية لا تستحقها بين الجماهير العربية بل يجب كنس هذه الاحزاب ومقاوليها وعملائها من بين الجماهير العربية، لأن هذه الاحزاب لا تخدم لا المصلحة الحقيقية للجماهير اليهودية ولا المصلحة الحقيقية للجماهير العربية.
المصلحة الحقيقية للجماهير اليهودية وللجماهير العربية، تغيير السياسة الرسمية لهذه الاحزاب، من سياسة حرب وعدوان لسياسة سلام واعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني واولا وقبل كل شيء قيام دولته المستقلة في حدود الرابع من حزيران 67 ووقف التمييز ضد الجماهير العربية ومساواتها التامة في الحقوق القومية واليومية.