نحن في ارذل انحطاط قومي لم نعرفه من قبل في تاريخنا بهذه القسوة والضياع.
هذا الانحطاط القومي يؤثر على تاريخنا وحضارتنا وأدبنا وفكرنا. يمكن اذا استمر أن يتطور الى عدم وجودي وربما الى اندثار حقيقي لهذه الأمة. بات القاصي والداني منا يعرف أن أسباب تخلفنا الحضاري عن الشعوب المُتطورة هو المتاجرة بالدين السياسية التكفيرية التي يَدعمها الغرب ويُغذيها من أمريكا الى استراليا.
رغم كل مآسينا المُتكررة الواحدة تلو الأخرى عندنا نحن العرب ونحن الباقين هنا في فلسطين، تتواصل حفلات تكريم شاعر أو أكثر كل يوم. حتى كاد عدد الشعراء عندنا يكون أكثر من عدد القراء.
الشعر برأيي يا سادة موهبة واعجاز وخلق وابداع وفن رفيع. ليس كل من كتب كلمتين مقفياتين أو بضعة أسطر مُتتالية فوق بعضها أصبح شاعرا. لهذا لم يعش ولم يبق الا الشعراء الحقيقيون في تاريخنا كله.
الاسماء الكبيرة التي نعرفها وهم قلة نسبيا الذين وصلوا الى وادي عبقر وأبدعوا شعرا نُردده ونُغنيه ونعتز به الى ساعتنا هذه.
حبذا لو اولئك الشعراء المداومون الذين يخلقون كل يوم وهم اصبحوا كذلك فعلا وعددا اكثر ممن يقرأون كلامهم الباهت الذي يَبعد عن الشعر والابداع امتلكوا ناصية الكلام وكفوا عن حفلات التكريم الفارغة، بقسم كبير منها، من الشكل والمضمون. نعم حبذا لو ملكوا ناصية الكلام المتوفرة بدون رقيب على وسائل التواصل الاجتماعي وكتبوا عن أحوال حياتهم وعن قضايا شعوبهم الكثيرة والخطيرة والوجودية في هذه الحملة الامبريالية الغربية المسعورة التي تحاول أن تُدمر مُكونات وحتى مجرد بقاء هذه الشعوب.
حبذا لو اهتموا بقضايا الامة الكبيرة والخطيرة لانقاذها من مآسيها وتركوا الشعر للشعراء الحقيقيين. عالجوا يا اخوان ويا مُثقفون بكتاباتكم ان استطعتم، موضوع التكفير وفصل الدين عن الدولة وتحديث الفكر العربي والفلسفة العربية التي انقرضت منذ قرون والتراث العربي. أما حقيقة بعض شعركم الذي نقرأه أحيانا فمُعظمه مَهزلة أدبية وراء مهزلة ومناحة وردح كلام فارغ بدون شاعرية أو وجد أو وجدان بعيد عن الشعر الف سنة ضوئية. حبذا لو حولتم مهازل تكريمكم، بدون تعميم طبعا، والتي تحدث يوميا الى نقاشات معالجة لفكر ودين وآلام ونواقص مجتمعاتكم التي تسقط أمامكم على رصيف الزمن وكأن الأمر لا يعنيكم.
مجالس التكريم البائسة، بقسم معيّن منها، والتي تعقدونها فيها الكثير من مُقومات المَخترة التقليدية وعفن القيم الاجتماعية التي أوصلتنا واياكم الى الحضيض القومي الذي نعيشه الآن. اقرأوا تجارب الشعوب الأخرى واخلقوا ثورة مفاهيم جديدة تعدل مفاهيمنا المُتخلفة التي ندفع ثمنها كل ساعة كل دقيقة دما وأرواحاً بريئة وآثارًا ومقدسات. حولوا مجالس تكريماتكم الطالعة النازلة من عدم الى عدم أكبر الى مجالس نقاش أوضاع شعوبكم البائسة. شعاع نور على شعاع نور يخلق ألف شمس ساطعة. نحن أمة ليست قارئة وهذا الأمر بات معروفًا الى الجميع وهو حقيقي وواقع.
عندنا مئات أو آلاف أو ربما عشرات الآلاف من الشعراء، لو كان هذا الأمر حقيقيا ومَلكنا هذه الثروة الابداعية المعرفية لسبقنا التاريخ. على الكاتب أو الشاعر أن يقرأ الف كتاب قبل أن يكتب كتابا او رواية أو قصة أو ديوان شعر. كم قرأتم أنتم في حياتكم ؟ شعركم المصون يدل للأسف في معظمه على نكرات ثقافية غير قارئة. نحن العرب شعراء بالسليقة التي فيها الكثير من همجية حياتنا وتفككها. نعيش على حساب العقول الأجنبية المُبدعة حتى في شُعورنا وشِعرنا. لم يعد يكفي أن نتغنى بليلى والبراق وداحس والغبراء وعاداتنا البالية التي أصبحت مع الدين السياسي متداعية عفى عليها الزمن والتاريخ معا.
تاريخنا ترك لنا المتنبي وأبا فراس وعنترة والجواهري ودوريش ونزار والسياب وأمل دنقل وغيرهم من الأفذاذ الذين تعيش البلابل هنا بشعرهم ومُعظمهم لم يُكرم في حياته ومماته.
موتزارت أكبر مؤلف موسيقي في التاريخ مات وحيداً عاجزا لم يذكره في موته احد ورافقه الى قبره الجماعي اربعة عمال النظافة في مدينة فيينا وحتى الآن هذا القبر ما زال مجهولا.. هل عرف أحد منكم لماذا قطع الزنادقة الارهابيون رأس تمثال أبي العلاء المعري في معرة النعمان في محافظة ادلب ؟ مات أكبر أحد اكبر شعراء وفلاسفة العرب على مر التاريخ العربي في فقر مدقع ولم يُكرمه أحد بل كرمه الارهابيون القتلة هناك حتى بقطع رأس تمثاله. التكريم واجب وحق لمن أحدث طفرة أو انعطافة على الأقل في الشعر والأدب والفن والعلم عاد بفائدة على مجتمعه، وليس مجاملة اجتماعية أساسها النفاق الاجتماعي المنقطع النظير وقد أصبحنا أمة نفاق بلا منازع في هذا العالم. أصبحنا أمة بائسة مشتتة جاهلة مُتكلة حتى في هذا العصر المُتقدم على الله أن يساعدها، وقد أثبت التاريخ ان الله يحب الأقوياء والشعوب المتطورة التي تعيش عصرها ولا تعيش العصور الخوالي و تملك فكر العصر وسلاح العصر وتقنية العصر الضمانة الوحيدة للبقاء والاستمرارية.