news

لماذا يجب أن نصوّت في انتخابات الكنيست ولمن؟

أيام معدودة تفصلنا عن انتخابات الكنيست الـ18، وكما يحدث عشية كل انتخابات نعود لنسمع في مجتمعنا العربي الفلسطيني تلك الأصوات التي تدعو إلى مقاطعة الانتخابات، طارحة في كل مرة أسبابها ومسوغاتها لنداء المقاطعة. وهذه المرة تشتد الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات بعد جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة. ويطرح المنادون بمقاطعة الانتخابات عدة رسائل أولها أن المقاطعة "هي رسالتنا الأخوية لأبناء شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات بأننا معكم، لم ولن نكون جزءا من المؤسسة العنصرية الغاشمة وان مصيرنا واحد". وثاني الرسائل تنطوي على توجيه صرخة إلى العالم كي "لا يسمح لمسرحية الديمقراطية الإسرائيلية الزائفة أن تخفي عن عيونه جرائم ومخاطر هذا النظام العنصري، الأسوأ من نظام الابارتهايد في جنوب إفريقيا". أما ثالث هذه الرسائل فهي موجهة إلى المجتمع الإسرائيلي ومفادها رفض النظام السياسي القائم على احتجازنا معه في علاقة مستعمر (بكسر الميم) ومستعمر (بفتح الميم). والرسالة الرابعة تقول إن المقاطعة هي صوتنا المعبر عن أنفسنا بعزم وشموخ  وان الصراعات الانتخابية لا تُنتج سوى تفكيك وحدة الصف الضرورية لنا في مواجهة التحديات؛ والكنيست هي التي تضفي الشرعية على كل المخططات والقوانين العنصرية بحقنا.
ليس لدي أي نقاش مع هذه الرسائل فكلها صحيحة وتعكس الصورة الحقيقية للبرلمان الإسرائيلي وللنظام الإسرائيلي في تعامله مع الأقلية الفلسطينية المتجذرة هنا على ارض الوطن. بل إنني أرى بأن الكنيست لن يحقق لنا أي طموح أو حق، ولكنني ارفض المقاطعة ولو لسبب واحد وهو إبقاء الصوت العربي هادرا في الكنيست في مواجهة المخططات العنصرية ورؤوس العنصرية والترانسفير والحرب والعدوان والاحتلال. صرخة تذكر حكام إسرائيل وأحزاب اليمين المتطرف بأننا متجذرون عميقا هنا في أرضنا رغما عن أنوفهم وبأننا سنواصل إقلاق منامهم وقض مضاجعهم في كل صباح وفي كل مساء.
وخلافا للأخوة الذين يدعون إلى مقاطعة الانتخابات على خلفية جرائم الاحتلال في غزة فاني أدعو بالذات وبسبب هذه الجرائم الى المشاركة في الانتخابات بل ومضاعفتها لزيادة قوة الأحزاب العربية المكافحة ضد هذه الجرائم والسياسية التي تدير هذه الجرائم في عقر دارها. وثانيا، كي يواصل نوابنا العرب إقلاق راحة العنصريين والترانسفيريين أمثال افيغدور ليبرمان وعوزي لنداو وغيرهما من قادة اليمين المتطرف الذين يحلمون بإغماض عين وفتحها وإذ بالعرب قد تبخروا ليس من الكنيست فحسب وإنما من البلاد كلها.

 

إن شعارات "لا مواطنة بدون ولاء" و"ليبرمان وحده يعرف كيف يتعامل مع العرب"، هي بالذات المحرك الذي يجب أن يدفعنا إلى الرد عليها بكل قوة عبر مضاعفة التصويت للأحزاب العربية التي يريد ليبرمان وأمثاله إخراسها، وهي الناقوس الذي يجب أن يقرع في كل بلدة وقرية ومدينة عربية، أن لا تتركوا الساحة لأولئك العنصريين، الفاشيين، الذين يريدون إخلاء الكنيست من أصواتنا ووجودنا كي يهدأ بالهم ويخططوا على أنغام موسيقى "هتكفا" كيف يتخلصون منا ومن شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات.

 

إن الدعوة التي يجب ان توجهنا جميعا هي التصويت، الآن بالذات، وللأحزاب العربية فقط، لتقوية عضد هذه الأحزاب أولا، ولإضعاف قوة الأحزاب الصهيونية في شارعنا العربي ثانيا. والشعار الذي يجب أن نرفعه هو ليس "مقاطعة الانتخابات" وإنما "كنس الأحزاب الصهيونية كلها"، واعتبار كل صوت عربي يذهب لأي حزب من الأحزاب الصهيونية هو بمثابة قنبلة أخرى بوزن مئة طن ستسقط على رؤوس أهلنا وشعبنا وأطفالنا في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وبيروت.

 

يجب أن نتحرك لمضاعفة نسبة التصويت في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، ويجب أن نحارب كل صوت يدعو للتصويت للعمل وكاديما والليكود وليبرمان وشاس وميرتس وكل الأحزاب الصهيونية، سواء تلك التي صفقت لطبول العدوان على شعبنا وهللت لقتل الأطفال والنساء في غزة، أو تلك التي صمتت صمت أهل القبور ودعمت الحرب بهدوء اشد فتكا من أصوات المهللين للعدوان.

 

هذه الانتخابات تختلف عن كل الانتخابات السابقة بالذات لأنها تأتي بعد جرائم غزة، ويجب أن تشكل رافعة لزيادة قوتنا، لزيادة عدد الأصوات الصارخة في وجوه صناع الحرب والقتل والاحتلال، تماما كما ازدادت الأصوات التي وقفت في وجوههم بعد يوم الأرض.
مقاطعة الانتخابات لن تغير من حقيقة الوجه العنصري القبيح للنظام الإسرائيلي، مقاطعة الانتخابات لن توقف جرائم الحرب ضد شعبنا، ومقاطعة الانتخابات لن توطد صلتنا بأهلنا وشعبنا، لان هذه الصلة متلاحمة كجذور شجرة زيتون راسخة عميقا في الأرض، ومقاطعة الانتخابات لن يعيد اللاجئين بل على العكس سيبعد عن الحلبة الأصوات المطالبة بعودة اللاجئين، الأصوات المتحدية والمتصدية لكل من ينادي بزيادة عدد اللاجئين عبر تهجيرنا من الوطن.

 

فليبق الصوت العربي مدويا في البرلمان الإسرائيلي ولو في سبيل قض مضاجعهم، وليبق صوتنا عاليا وصورنا ماثلة أمامهم في دخولهم وخروجهم من أبواب الكنيست، وليبق وجودنا قويا في الكنيست كي نذكرهم كل لحظة بأننا باقون وبأنهم يذبحون شعبنا ويرتكبون الجرائم بحقه، لان في غيابنا عن الكنيست سيضيع هذا الصوت وسيضيع هذا الوجود.

 

وكلمة أخيرة لأحزابنا العربية: المعركة يجب أن تكون ضد الأحزاب الصهيونية، من اجل كنس هذه الأحزاب من الشارع العربي وحرمانها من أي صوت عربي، وليس ضد بعضكم البعض. إن ترديد بعض الشعارات الفارغة والشائعات والدعايات ضد بعضكم البعض هي التي تزيد من التمزق والتشرذم، ولو كان الوضع مختلفا لكنت أول من يدعو إلى مقاطعة الانتخابات عقابا لكم على النيل من بعضكم البعض، وعلى تشرذمكم وتمزيق أصواتنا. ليس بينكم أي اختلاف في البرنامج والموقف والهدف، وليس هناك ما يفرق شملكم ويمنع توحدكم في قوة ضاربة واحدة إلا الصراع على الكرسي، وكان الحري بكم أن تتوحدوا في قائمة واحدة تضاعف من قوتكم وتعزز صوتكم، وإذا كان قطار الوحدة قد فاتنا هذه المرة، فان ما يجب ضمانه في المرة القادمة هو الصعود معا وبكل قوة إلى قطار الوحدة.