الاستاذ "عدنان الحوت" مثقف واسع الاطلاع، انهماكه في القراءة والبحث والتنقيب جعله يفوت محطات قطار عمره دون ان يتدركم بابنة الحلال لمساعدته والاسهام معه في تحمل قضايا الحياة بحلوها ومرها. فكر بالزواج بعد ان شاب شعر رأسه ورسم لنفسه مقاييس وصفات الصبية التي يختارها، وصدم من اول غزواته، فليس من المنطق بمكان، ومن النادر تماما، انجاز وفاق وانسجام ومحبة بين من تخطت اقدامه عتبة الخمسين سنة وبين غزالة شاردة، آية في الجمال والخلق الحسن ولم تتخط السبعة عشر ربيعا! دق "ابن رشد"، كما كنا نلقب الحوت، رأسه بأعمدة الواقع وحلف على جنس النسوان والتعويض عنهن بالتعمق في البحث العلمي. وبين فترة واخرى، بمعدل مرة في الشهر يقوم بزيارتي، فعلى حد قوله انني مستمع يجيد الاصغاء ويقول رأيه بصراحة.
مساء يوم الجمعة الماضي جاء لزيارتي، وبعد ان شرب القهوة واستراح في مقعده استفززته بالسؤال "انا عتبان عليك، والعتب على قد المحبة، انت العلاّمة المشهور ابن رشد راحت واجت ومستكثر علينا تطزع مقال من تحت الدست تدعو فيه الناس لاتصويت للجبهة وعزل الاحزاب الصهيونية"! ضحك كعادته بالتقسيط مثل كعر السناسل وقال "البركة في كتاب الجبهة، انا معكم قلب ورب وسجلت اسمي ضمن الكتاب الداعين للجبهة، ان شاء الله بصير خير بالنسبة لكتاباتي"، الآن اسمعني يا صديقي، قال عدنان الحوت، انا اقدر فيكم يا حمر موقفكم وتوجهكم لتحليل القضايا من وجهة النظر الطبقية الثورية، فمن هذا المنظور يبرز موقفكم الاممي المميز والبرنامج السياسي والاقتصادي الاجتماعي الذي اثبت مصداقيته وصحته، وسؤالي هو هل تستقيم ثورة تحرر قومي من نير احتلال غاشم مع مصادرة حق هذه الثورة في المقاومة والعمل على تجفيف مصادر المقاومة!!
- قلت، المقاومة حق شرعي تجيزه القوانين الدولية والشرعية الدولية، ولكن لماذا تسأل يا محترم؟ قال، لقد تحيرت ولم اتبلبل من موقف النظام المصري، فبعد حرب الابادة الاجرامية الاسرائيلية على قطاع غزة يسعى النظام المصري كوسيط رئيسي لتثبيت التهدئة بين حماس واسرائيل ورفع الحصار عن غزة وفتح المعابر، كما يرعى قضية الحوار الوطني الفلسطيني - الفلسطيني لاعادة اللحمة الى الوحدة الوطنية الفلسطينية! كل هذا جيد وحسن ولكن ماذا بعد التهدئة والوحدة الوطنية، هل يدعم النظام المصري ان يكون ذلك مقدمة لزوال الاحتلال من جميع المناطق المحتلة في السبعة والستين وانجاز الحق الوطني الفلسطيني بالدولة والقدس والعودة؟؟ اشك في ذلك خاصة اذا شاركت مصر في خدمة "المذكرة الامنية" الاسرائيلية الامريكية التي وقعت عشية انصراف ادارة بوش من "البيت الابيض". فمدلول هذه الاتفاقية السياسي هو اقامة جهاز قرصنة دولي امني من اسرائيل وامريكا والحلف الاطلسي ومصر وبعض الانظمة في المغرب العربي المدجنة امريكيا تكون مهمته مراقبة جميع البحار والممرات الدولية برا وجوا وبحرا لمنع تهريب الاسلحة الايرانية وغيرها الى حركات المقاومة الوطنية الفلسطينية واللبنانية وغيرهما، ومنع تهريب الاسلحة لحماس وغيرها في القطاع بهدف كسر ظهر المقاومة الفلسطينية لاملاء حلول استسلامية تنتقص من الثوابت الوطنية الفلسطينية. فكما ذكرت صحيفة "جروزليم بوست"الاسرائيلية باللغة الانجليزية يوم 29/1/09 ان وفدا من المهندسين المصريين توجه الى الحدود الامريكية المكسيكية للتدريب على التقنيات التي يستخدمها الجيش الامريكي لكشف وتدمير الانفاق، وانه جرى التنسيق لهذه الزيارة وفقا لمذكرة التفاهم الامني الاسرائيلية – الامريكية. كما اوردت هذه الصحيفة ان الولايات المتحدة ارسلت بالفعل مهندسين عسكريين الى شبه جزيرة سيناء المصرية مزودين بمعدات للكشف عن الانفاق ومساعدة المصريين في الكشف عن اماكن الانفاق وتدميرها حتى لا تبقى وسيلة لتهريب الاسلحة الى قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. فهل بعد ذلك يمكن ان تكون يا نظام حسني مبارك وسيطا نزيها على ساحة الحوار الفلسطيني – الفلسطيني او ان تكون بموقفك مختلفا مع حلفائك المتواطئ معهم، مع اسرائيل وامريكا، في الموقف من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية؟ وصباح الخير دائما لشعب الكنانة الذي لن ينسى طعم الحليب الوطني الناصري مهما عربد الفراعنة!