قال النائب الفلسطيني جمال الخضري، وقادة حركة حماس أن زوارق البحر تصل بقرار وموافقة إسرائيلية مسبقة، ولذلك سمحت قوات البحرية للزورق القطري بالوصول إلى غزة، ولغياب الموافقة والتنسيق الليبي مع الإسرائيليين منعت الزورق الليبي من الوصول إلى شواطئ القطاع المحاصر.
الحصار ظالم ومدمر وقاسي وغير إنساني، ولكن من قال أن العدو الذي احتل الأرض وطرد أهلها وشوه معالمها وارتكب الموبقات والمحرمات، من قال أنه إحتلال إنساني ديمقراطي عصري معتدل يختلف عن كل الإحتلالات الإستعمارية التي عانى منها العرب في باقي بلادهم، إنه إحتلال واستعمار فاشي وعنصري ولكنه محمي من القوة الأولى التي تتحكم بالكرة الأرضية من واشنطن.
مشكلة شعب فلسطين المعذب المصلوب الموجوع لم تعد فقط مقتصرة على العدو المحتل المستعمر، بل تجاوزت ذلك وترافقت مع حركة رجعية أصولية متسلطة، لديها جوع للسلطة، خطفت قطاع غزة وما تزال تتحكم به، ولا يهمها الآن سوى استمرارية بقائها في السلطة بأي ثمن، وتتوسل شرعنة الإنقلاب والإعتراف به والإقرار بوجوده كطرف صاحب قرار في المؤسسة الفلسطينية وفي قيادة الشعب الفلسطيني عبر وسيلتين:
الأولى تقديم نفسها كشريك يتقاسم السلطة والنفوذ والشرعية مع حركة فتح، من خلال إمتلاكها ورصيدها ورأسمالها وهو قطاع غزة، وحركة فتح من خلال نفوذها وقيادتها ومؤسساتها في الضفة الغربية، فيتم توحيد فتح مع حماس، والضفة مع القطاع، وتتم القسمة والشراكة بينهما على هذا الأساس، فتح مع حماس، الضفة مع القطاع، قوات حماس مع قوات فتح، أمن حماس مع أمن فتح، حكومة مع حكومة، مجلس تشريعي مع مجلس تشريعي، وهكذا يتم توحيد الوطن والمؤسسة والشرعية المقسومة اليوم من وجهة نظر حماس ومؤيديها وداعميها، أي سلطة مقسومة بين شرعيتين، فيتم جمعهما، وولادة نظام جديد ينبثق مع الواقع المستجد الذي صنعه الإنقلاب بنتائجه وتداعياته، وهو علاج مؤقت ونقلة نوعية إلى الأمام تمهيداً لإنقضاض حماس على الضفة، بشكل أو بآخر، كما فعلت في قطاع غزة.
والثانية، عبر تقديمها نفسها على أنها صاحبة قرار السلم والحرب في فلسطين، فهي وصلت إلى السلطة التشريعية والتنفيذية عبر الإنتخابات وصناديق الإقتراع، وهي تملك القدرات الأمنية لفرض التهدئة وتفجيرها في نفس الوقت، ولذلك يجب التوصل معها، ومعها فقط إلى الإتفاق الأمني، تمهيداً للإتفاقات السياسية، فهي التي توصلت مع الإسرائيليين إلى اتفاق التهدئة عبر الوسيط المصري يوم 19/6/2008، وفرضته على الفصائل الأخرى وخاصة الجهاد والشعبية والديمقراطية رغم تحفظ هذه الفصائل على صيغة الإتفاق غير السياسي، واعتبرته تهدئة مقابل تهدئة، أمن مقابل أمن، بدون أن يحقق أو يشترط أي إنجاز سياسي واقعي معقول لصالح الشعب الفلسطيني، ومع ذلك لم تحترم حركة حماس تحفظات الفصائل الكفاحية ولم تأخذها بعين الإعتبار!!
حماس كانت تدرك أن إتفاق التهدئة ظالم مجحف ولا يحقق أي إنجاز سياسي وطني، ولكنها في الباطن كانت تريد هذا الإتفاق وتسعى إليه ورضيت به لعدة أسباب منها:
1. أنه يحمي قياداتها من الإغتيال.
2. أنها تثبت من خلاله للإسرائيليين وللأميركيين وللأوروبيين كصاحبة قرار ولديها إلتزام صارم بما تتوصل إليه وتقتنع به، وهي رسالة سعت لتوصيلها إلى العالم.
3. أنها تسعى من خلاله إلى استرضاء المصريين وكسب ودهم وكسب ثقتهم.
4. أنها فرضت سلطتها وجعلتها واقعية وأمر واقع.
5. أنها تعزز قدراتها التسليحية من خلال التدريب والتهريب، لمواجهة أي معركة داخلية فلسطينية فلسطينية، ومن أجل تحسين مواقعها الدفاعية إزاء أي مواجهات محتملة مع قوات العدو الإسرائيلي.
حماس رفضت تجديد إتفاق الهدنة بعد 19/12/2008 لأكثر من سبب أولاً: لأن فصائل المقاومة الكفاحية، الجهاد والديمقراطية والشعبية، رفضت التجديد ورفضت إعطاء الغطاء السياسي لحركة حماس. ثانياً: لأن القاهرة رفضت أيضاً إعطاء هذا الغطاء واشترطت أن تعلن حماس رغبتها وقرارها بالتمديد وتقدم طلباً لذلك للمصريين من أجل تدخلهم ووساطتهم، لا أن تبقى لغة المزايدة هي السائدة في الإعلام وحقيقة الموقف هي غير ذلك في الواقع. ثالثاً: لأن الإسرائيليين لم يتصرفوا بأي طريقة تشير إلى رغبتهم في الحفاظ على التهدئة سواء في الضفة أو القطاع مما سبب الحرج والتعرية السياسية لحركة حماس. رابعاً: لم تنجح التهدئة في فك الحصار السياسي أو المالي أو المعيشي على القطاع. خامساً: تعزز وجهة نظر العسكر المتطرفين الذين يتحكمون بالقرار على الأرض.
حركة حماس تنظر إلى موعد 19/12، مرتبطاً بيوم 9/1/2009 فمعركتها الداخلية أهم من معركتها ضد العدو، بل هي تريد المواجهات المحسوبة المحدودة للوصول إلى 9/1/2009، وجبهة المواجهة بينها وبين الإسرائيليين ساخنة متواصلة نازفة شريطة عدم إعطاء العدو الإسرائيلي أي مبرر عملي لتوجيه ضربات موجعة لقيادات حماس، بل تبقى ردود الأفعال المتبادلة محسوبة محدودة وغير مؤثرة، وذلك بهدف إحراج المصريين أولاً والعرب ثانياً ولإضعاف السلطة الوطنية، وإعلان نهاية شرعية الرئيس وعدم شرعية حكومة سلام فياض، في ظل المواجهات مع الإسرائيليين، تمهيداً لإتفاق معهم، إذا كان مباشراً فهذا هو المنى، وإذا كان عبر المصريين فلا بأس، ولكنه يتم تحت ظل وغطاء معاناة أهل غزة ودمارهم، وقبول حماس للتهدئة حرصاً منها على وقف نزيف أهل القطاع ورحمة بهم.
حماس، تستعمل الصدامات والمواجهات مع العدو الإسرائيلي من أجل تعزيز الإنقلاب وشرعنته، وليس في إطار برنامج وطني لمواجهة ظلم الإحتلال وكسر شوكته. فمن يريد مواجهة الإحتلال المتفوق يعمل على تصليب جبهته الداخلية وتوحيدها، ووقف التسلط وإنهاء الإنقلاب وتوجيه المعركة السياسية ضد العدو باعتباره صاحب قرار الحصار وليس توجيه معركته السياسية ضد القاهرة وضد العرب الذين قدموا آلاف الشهداء من المصريين والأردنيين والسوريين واللبنانيين دعماً لشعب فلسطين الذي يستحق قيادة غير قيادة حماس المتسلطة المتجبرة ذات الإنتماء لحركة سياسية أصولية عابرة للحدود، حاولت الإنقلاب على عبد الناصر وحافظ الأسد، ومارست سياسة الإغتيالات ضد نظام الناصري في مصر وضد البعثيين في سوريا، وتتواطأ مع الأميركيين ضد المقاومة في العراق.