غزة بلد جريح من بلاد فلسطين، يترك في هذه الأيام ليموت وحده موتا سريريا بطيئا... أهله، بأطفاله ونسائه وكهوله، يئنون يعنون ويموتون من الألم والمرض والجوع والعالم يرى ويسمع ويقف وقفة المتفرج اللامبالي وكأن شيئا لم يكن!!...
العالم "المتحضر" أو المتحجّر، الذي يبكي أو يتباكى على حقوق الإنسان في الصومال والسودان وفي كل مكان إلا في فلسطين!! لا يرى غضاضة في أن يموت هؤلاء "البشر" من الفلسطينيين!!... بينما تصادف اليوم الذكرى الستون لشرعة حقوق الانسان!!... يا لسخرية الأقدار!!...
المندوب الأمريكي في مجلس الأمن (أو اللا أمن) يرى في إرسال سفينة إغاثة محملة بالأغذية والأدوية حماقة!! ولا يرى في تجويع مليون ونصف مليون إنسان جريمة نكراء ضد الانسانية!!... يا للعار!!...
قوات الاحتلال وقد داست أقدام جنودهم، أرض غزة مئات المرات، وعلى مدار الأعوام الطوال، وقتلت ودمرت وشردت، ولا تزال تفعل ذلك متى تشاء، تماما كما داست أقدام جنود التتار في الماضي أرض العراق وكما يدوسها اليوم "تتار" القرن الواحد والعشرين...
قوات الاحتلال تدخل هكذا، وبدون "شور أو دستور"، كأنها في نزهة "استجمام"، وتستبيح أرض هذا القطاع وتخترق حدوده وتنتهك حرمة سكانه تفتك بمن تفتك وتدمر ما تدمر وتعبث بناسه وبأرضه وشجره وحجره ثم تعود، للمرة الألف، على وقع أقدام الموسيقى الراقصة دون أي رادع أخلاقي أو وازع إنساني ودون أي اعتبار لحرمة إنسانية أو شرعية دولية وباستهتار رهيب وسط صمت عربي ودولي مريب!!...
قطعة أرض عربية صغيرة، من عالم عربي كسيح، محاصرة من الجهات الأربع!! حتى من قبل شقيقتهم العربية الكبرى مصر "الحبيبة" تغلق عليهم معبرهم الوحيد إلى العالم ليعيشوا أو ليموتوا في سجنهم الكبير!!...
قطاع صغير، يضيق بمن فيه من البشر، لا حول له ولا طول، يقف وحده عاجزا أمام جبروت أعتى قوة عسكرية في العالم، أشبه ما تكون بالطاغوت، تلقي حممها من البر والبحر والجو لتقطع أجسام البشر الساكنين فيه كأنها تقطع قطعة حلوى!!...
والعرب الكسالى نيام... والعرب العجزة أصبحوا مقعدين مشلولين مغلولين مشغولين بقضاء حاجاتهم البيولوجية والفسيولوجية!!...
وها نحن اليوم نقف أمام هذا الحصار الجائر الآثم الظالم!!... مذهولين مندهشين من قسوة قلوب "التتار الجدد" عديمي الرحمة والإنسانية، وهم يمنعون سفن الإغاثة من الوصول إلى أفواه الجائعين من الأطفال والنساء، من الأرامل والثكالى، من الحبالى والمرضعات!!... يا للحضارة!!... يا للدعارة!!... يا للعار!!... 
وكم يعيد هذا المشهد الأليم إلى الأذهان، وهذا الموقف اللاإنساني واللاأخلاقي المخجل والمزري، يوم وقف الوحش النازي، وقد وصلت طلائع جحافله ضفاف نهر الفولجا، والجيش الروسي يتقهقر أمامه، ليطلق صرخته المجنونة والمأفونة: "لن تبحر سفينة في نهر الفولجا بعد الآن"!!... وها هم "أحفاد المدنية الحديثة!!... الانسانيون جدا!!" يعربدون يتباهون، وبدون خجل، بأنه لن تدخل سفينة إغاثة إلى بحر غزة تحمل نقطة دواء إلى فم طفل مريض أو كسرة خبز إلى شيخ طريح الفراش!!... ما أشبه اليوم بالبارحة وما أرحم الماضي بالنسبة للحاضر!!...
ولا بد لي أن أذكّر المحتلين "الجدد"، وهم أكثر من يعرف ذلك، أن السفن عادت من جديد لتبحر في نهر الفولجا!!... ولا بد من كلمة أخيرة نقولها لهم علّهم يسمعون: أيها المحتل المتغطرس المتعجرف لا تفتخر!!... لأنك ستدخل التاريخ من بابه الخلفي كما دخله من سبقوك... وسيبكي أبناؤك لاحقا خجلا مما صنعه آباؤهم!!...