نمدُّ العيون الى واقع سيرة ومسيرة المسرح في تراث عشرات السّنين الماضية فينتصب أمامنا هذا السؤال: هل ما زال للشِّعر مكان في المسرح؟
نُمعِنُ ونُدقّقُ النَّظر في تفاصيله أكثر، طبعا بعد أن ننهر وننشّ الشيطان بعيدا، فنجد صراعا حادّا بين المسرحيّة الشِّعريّة والمسرحيّة النّثريّة، صراعا لم تتحدّد أبعادُهُ بصورة نهائيّة بعد.
نلج، باحثين عن إجابة شافية لهذا السُّؤال، فنجد أوّلا قائمة بكوكبة أَعْلام هذا الصراع من كُتّاب المسرح الشِّعري والنَّثري على السَّواء يتمثَّلون في: إبْسن وستريندبرج وتشيكوف وبيراند للو وييتس وأونيل وإليوت وبريخت و.و.و.
ففيهم كًتّاب الشِّعر وكتّاب النَّثر، وفيهم مَنْ كتبَ مسرحا شعريّا ومسرحا نثريّا معا، وفيهم مَنْ بجأ الى النَّظمْ بحثا عن الشِّعر، وفيهم مَنْ اكتفى مِن الشّعر بالشَّاعريّة. أمّا النُّقّاد فذهب العديد منهم الى القّوْل يوجوب هبوط الشِّعر مِن على المسرح للإنزواء في القصائد الغنائيّة... وهنا سارع البعض منهم الى التّصريح أنَّ أعمالا مثل “جريمة قتل في الكاتدرائيّة” لإليوت وغيرها هي نشاز طارئ وليس القاعدة، لأَنّ المُتفرِّج لم يعُد يساطيع أن يرى السُّوقة وهم يتحدّثون على خَشبة المسرح، أو أنّ على المسرح حَمْل رسالة اجتماعيّة يجب أن يؤدّيها. وهو الاتجّاه الذي ذهب إليه بعض النُّقّاد بعد قراءَتهم لمسرح إبْسن وفهمهم لجانب واحد مِن جوانب أعْمالهِ، وأقصد مَسْرحَهُ الاجتماعي، الذي تنتمي إليهِ مسرحيّته المعروفة “بيت الدُّمية”.
ولا يخفى على الدَّارس الرَّائي والمُستشرق أنَّ الكثير من الدراسات الجادّة ردّت بعد ذلك الاعتبار لمسرح إبْسن الشِّعري، ممّا جعل الفِكرة الخاطئة عنه في سبيل الزّوال والاندحار...
نُسَجِّلُ هذا ونحن على قناعة أنَّ عمالقة المسرح النَّثري الآخرين، برزت في أعمالهم الشَّاعريّة بصورة ملموسة وهو ما نراه جليّا عند تشيكوف خاصّة مسرحيّته “النَّورس” التي تفيض بالشَّاعريّة المُرسلة، والمتَحدِّثون بهذه الشّاعريّة هم رجال ونساء عاديّون... حتّى برنارد شو في مسرحِهِ الفكري نجد كثيرا من روح الشِّعر...
وهنا، لا بُدَّ أنْ نستشهد برأي قالَهُ ت.س.إليوت في احد مقالاته النَّقديّة وهو: “لغة النّثر الرّفيع في المسرح هي كلغة الشِّعر تماما، كلاهما لغة غنيّة مكثّفة وافرة الايقاع، كُتبت بتأنٍ، كأنّها كُتبت ثمّ أعيد كتابتها، وأنَّ لكلّ عبقري من عباقرة النّثر في الانجليزيّة (وهي اللغة التي يتحدّث عن أدبها إليوت) مِن كونجريف الى برنارد شو، له أسلوبهً الخاص وموسيقاه الخاصّة".
إضافة تعقيب