في النّصّ المسرحي
تأخذ بعض الأعمال الأدبيّة مؤلّفها وتأخذنا معه الى أماكن جديدة لا نعرفها، كما في مسرحيّة "المغنية الصّلعاء" ليوجين يونسكو و"في انتظار غودو" لصموئيل بيكيت. مسرحيّتان تتمحوران حول الانتظار الطّويل الذي يصبح أمرا عبثيّا...
ففي مسرحية يونسكو ننتظر مغنيّة لا وجود لها، بمعنى أنّنا لا ننتظر أحدًا، وفي مسرحيّة بيكيت ننتظر الغودو الذي لن يأتي...
هذا ما نراه في مسرحيّة اللّبناني رشيد بوجدرة "الحلزون العنيد" وقد اعتبرها البعض مفاجأة مسرحيّة حين عُرضت في بيروت عام 1992، خاصة وأنّها صيغت على خلفيّة مشاهد الدّمار والأشلاء والحروب و و و...
فقد عُرضت في مناخ يشبه ُ السّجن... صُفَّت فيه المقاعد، مقاعد مندرجة، جلس عليها الممثلون والممثلات وهم يقولون كأنّهم لا يقولون... وفي هذا مزج المؤلّف بين اليأس والعبث، كأنّ اللّامعنى يختزن المعاني كلّها... ولأنّهم بدوا كأنّهم في سجن، تحوّل كلامهم الى مقاطع صوتيّة... يتابعه جمهور النَّظّارة وهو في عتمة الصّالة، فجاءت احتمالات صورتهِ في إطار الكلام المكسور...
طبعا لم يكن هذا غريبا، لأنّ المسرح آنذاك كان يعمل في فضاء مدينة مُنهكة أطبق عليها السّكون وفُرض عليها الخرس وفقدان الذّاكرة و و و... فراحت تبحث عن نبض الحياة وتحاول جمع شتات الرّوح في مساحة عجَّت بالمغامرات الجديدة والتّجارب البديلة... ممّا جعلها عملا يأتي في حومة إبداعيّة غلب عليها عنصر التّفرّد، الجرأة، الإنذار بالكارثة، الانفتاح على المجهول الخفيّ، هاويةً مُسيّجة بأسرار لا يدرون أين ستقودهم، حتّى جعلهم يُحسّون أنّهم كشفوا السِّرّ مع أنّهم في الحقيقة لم يكشفوه!!! وفي هذا الصّدد من الضروريّ أن نُعرّج ونعود الى مسرحيّة "الجيب السِّرّي" التي تتأمّل سِرّ الفنّ نفسه... التي تتنبأ لتقترب من أسرار الحياة، حيث يغوص فيها، لكشف المُخبّأ، ومن ثَمّ يُخبّئ الحقائق في تلاوينها المختلفة... وهذا ما يؤدّي به الوصول الى بدايات الوعي بالخيبة... بعد القيام بقراءَة الحاضر العربي، ولغته السائدة التي ابتذلت المعاني، وجعلت الاستبداد والوحشيّة سِمتهُ الأبرز!!! فلجأ الإبداع الى اللّغة "المبتورة" وسيلة للتّعبير، مع أنّها لغة ناقصة تعجز عن بلورة رؤى متماسكة...
وما الغريب؟!!! ونحن نعيش زمن كلّ شيء، زمنا حوّل أيّامنا الى أيّام مرعبة، نخاف فيها حتّى من الكلام مرآتنا الأولى...
مدينتي!!! يا ابنة شرقنا الحبيب... تتكسّر فيك ظلال التغيير... واقعا غير قابل للإعراب، يُطفئ ضوءا واحدا بعد الآخر...
فهل هناك، بعد أنْ ينطفئ الضوء الأخير... نعم!!! هل هناك مّنْ يستعدّ لإشعال الضّوء من جديد؟!!!
إضافة تعقيب