في ليل الاغلاق هذا سيجلس ملايين اليهود الاسرائيليين وسيحتفلون بليل الفصح في صيغة لم يشهدوها أبدا. العيد العائلي يصبح هذه السنة عيد العزل والتباعد الاجتماعي، عيد الحرية يصبح عيد الانغلاق، عيد الربيع يصبح عيد المكوث في البيت. من الصعب التفكير بتضارب أكبر من هذا بين تقاليد الفصح، وبين العيد مثلما سيحيا هذه السنة. اسرائيل تنغلق على نفسها وهي منفصلة ومنقطعة، كل عائلة لمصيرها.
هذه فرصة نادرة للتفكر والتمعن. من السابق لأوانه بعد النظر في كامل تداعيات الوباء. فهو لا يزال في ذروته، ومشكوك أن يكون اجتاز الذروة. هذا ليس وقت الاستنتاجات ولا حتى وقت الحسابات والتوازنات. فهذه لا بد ستأتي، مع اندثار المرض.
في هذه الاثناء ينبغي أن نوجه الشكر والامتنان لمن يكافحون الوباء بتفان روحي وننتبه، الى جانب الفقدان والمعاناة الشديدين، لبعض من الظواهر الايجابية التي بدأت تتحقق منذ الان. فهي كفيلة بان تغير وجه اسرائيل، او تنسى وكأنها لم تكن.
الدرس الاول الذي ينشأ منذ الان عن التحديات التي طرحها الكورونا على اسرائيل هو أن عليها أن تغير سلم اولوياتها. فقد علم الفيروس اسرائيل بان أمنها وسلامة سكانها لا يتعلقان فقط بجيشها وبحربتها. ثمة مخاطر لا يمكن لاي سلاح متطور واستخبارات ذكية أن تتمكن منها. احدى الدول المسلحة في المعمورة وجدت نفسها، مثل قوى عظمى أقوى منها، مكشوفة وعديمة الحماية المناسبة.
الدرس يجب أن ينقش عميقا: اجهزة التنفس حيوية للامن بقدر لا يقل عن الغواصات. غرف العناية المكثفة لا تقل عن اسراب الطائرات. ان جدول اعمال دولة استثمرت مليارات الشواكل في جيشها، ولكنها اهملت بشكل معيب جهازها الصحي، يجب أن يتغير. كما تتبين من جديد حيوية الدولة في مثل هذه الاوضاع حيال كل الدعوات للخصخصة.
الدرس الثاني هو انه امام الوباء تتراجع الى الوراء أمور كانت تخيل انها مصيرية حتى أمس وأول امس. القومية المتطرفة، الاثنية والدين كلها تصبح ذات صلة اقل. امام الكورونا توجد مساواة لم نعرفها في اسرائيل: الكل عرضة لذات الخطر، بشكل شبه متساو، والخواطر تتقلب. كراهية الحريديم تصبح، بقدر ما على الاقل، تضامنا مع معاناتهم، وكراهية العرب تصبح امتنانا لمساهمتهم في الجهاز الصحي، والفلسطينيون في المناطق يصبحون، ولو للحظة، اخوة مصير وشراكة في ذات الخطر.
هذه لحظة طيبة لان نسأل: على ماذا نتقاتل منذ أجيال؟ كما أن سلم الاولويات الخاص يتغير أمام ناظرينا: ليس فقط أنماط الحياة، العمل، التعليم ووقت الفراغ انقلبت، بل وسلم الاولويات ايضا. فجأة يتبين أن المال لا يلبي كل شيء، وثقافة الاستهلاك المجنونة ليست جوابا على كل ضائقة.
في ليل الاغلاق هذا ينبغي أن نتمنى أن يكون الاخير من نوعه، وأن في ليل الفصح التالي سيبدو العالم مختلفا. مسموح أيضا أن نأم بان قسما على الاقل من دروس الكورونا ستبقى معنا، والا تختفي مع اختفاء الوباء.
إضافة تعقيب