هآرتس- 26/1/2021
*الحريديم من خلال وقوفهم ضد الدولة يقومون بلعب دور تاريخي تم اعداده لهم من اجل منع اقامة دولة يهودية قبل قدوم المسيح. لأنهم أدركوا أن اليهودية والدولة لا تسيران معا*
لا يجب أن نغضب من طائفة الحريديم. هم بالاجمال يؤدون، بوعي أو بدون وعي، دورهم التاريخي وهو افشال أي محاولة يهودية لتأسيس كيان رسمي. هذه المهمة تم القاءها عليهم بعد النهاية المريرة لمحاولات كثيرة من اجل تشكيل دولة يهودية: مملكة اسرائيل ومملكة يهودا اللتان انهارتا.
مملكة الحشمونئيم الفاشلة، الثورة ضد الرومان وتدمير القدس، وبالطبع الكارثة التي الحقها باركوخفا والحاخام عكيفا بيهود البلاد. هذه الكوارث جميعها جاءت من خلال محاولات تأسيس دولة يهودية، وكلها انهارت بنفس الطريقة: جنون ديني، ثمل القوة الزائدة، فساد عميق في الاخلاق وتفشي الفساد، وبعد ذلك التفكك، وبعده الخراب.
يبدو أن هذه هي اللحظة التي قرر فيها الحاخامات المتوفين القول كفى، هذا يكفي! لقد فهمنا: اليهودية والدولة لا تسيران معا. يجب الاهتمام بأن لا يحدث هذا مرة اخرى. وهم ايضا أدركوا جيدا ما يجب فعله لمنع تكرار هذه النكبات: منعها بواسطة فتوى. وهذا ما فعلوه، لقد نقلوا الدولة والقومية الى السلطة الحصرية للمسيح.
وقد قرروا بأنه فقط له مسموح أن يبني لنا وطن، وأن ينشئ هيكلا وأن يؤسس دولة. والى حين قدوم المسيح نأمل أن يعيش الشعب المختار فقط في ظل امبراطوريات اجنبية، فقط في الشتات، وفي ارض اسرائيل – فقط تحت حكم اجنبي متنور.
هكذا كان الامر خلال ألفي سنة وأكثر. كانت هناك سنوات جيدة وكانت هناك سنوات سيئة. كان هناك نمو وكان هناك تراجع. كان هناك سعادة وكان هناك موت وألم وثكل. ولكن لم يكن فيها دمار اقترب من كاحل كارثة باركوخفا.
واليهود، مع الاعفاء من السيطرة على الدولة، كرسوا معظم جهودهم للتنمية وتطوير الفكر والثقافة والابداع وغرس الفضائل الصحيحة. كان يبدو أنهم عثروا على الصيغة الكاملة: شعب متحرر من القومية ولا يحتاج من اجل وجوده واستمراره إلا الى خزانة كتب وروح دعابة.
عندها حلت الكارثة وحطمت الرقم القياسي النازف لباركوخفا. لم يكن امام من بقي من اللاجئين خيار سوى العودة الى تجربة الخيار الوطني. وفورا استيقظت يهودية الحريديم واستعدت للعودة الى القيام بدورها التاريخي: وضع حد للافتراء وتفكيكه بالطريقة المجربة والمختبرة، جنون ديني، ثمل السلطة، افساد عميق للمعايير، ومن ثم انحلال مستشري وتفكك.
هكذا وصلنا الى هذا الحد. الجنون الديني منح الاحترام للعنصرية والتعالي والكراهية والشر. هذه المشاعر المتحررة جلبت لعالم المتدينين القوميين. التعايش بين الحريديم والمتدينين القوميين اكتمل. اصابعهم تلف أثداء الخزينة العامة وتقوم بحلبها حتى القطرة الاخيرة. خيط سميك يربط بالفعل الشباب العنيف في بني براك مع شبيبة التلال الاجرامية. ينتخبون للسلطة المحتالين والاشرار والكذابين، والكل جاهز بالفعل ومستعد للنهاية.
ربما أنهم فازوا، ربما لم يعد هناك مناص من ترك الوطن المحتضر والعودة الى منفى الآباء، وأن ننتظر هناك قدوم المسيح، وأن نقوم بشحن البطاريات التي فرغت بوجبات جديدة من الفكر والثقافة والابداع والفضائل. ربما بعد ألفي عام سنكون أكثر تبصرا كي نجرب مرة اخرى. وربما سيزداد العالم تبصرا ويتخلص من الغرور القومي. أو ربما في هذه الاثناء سيأتي المسيح ويقوم ببناء هيكل ويؤسس مملكة، وفي اثناء رش دماء البهائم على المذبح سيدعون الى الانضمام اليه.
"شكرا، سنرد عليه بأدب، "لكن أولا وقبل كل شيء نحن نريد رؤية كيف ستتدبر امورك مع الحريديم".
إضافة تعقيب