news-details

رؤيا ترامب: تستند الى التوراة وليس الى اتفاقات دولية

*مصلحة ترامب من الخطة هي توفير اساس اخلاقي وايديولوجي وديني لطلبات اسرائيل. الرئيس الأميركي يحطم ذريعة الفلسطينيين لإقامة دولة فلسطينية ويحطم المعايير الدولية. وحتى الآن الامم المتحدة تصمت*

في الخطاب الذي ألقاه في البيت الأبيض، خرج بنيامين نتنياهو عن أطواره من أجل أن ينفعل بصوت عال من الابداعية الجامحة، حرفيا لمن صاغوا خطة سلام ترامب. ومشكوك فيه اذا كان هذا الانفعال والاشادة وجها فقط لطاقم الصياغة الأميركي، تقريبا في كل البنود التي تملأ الـ 181 صفحة للخطة يمكن ملاحظة بصمات اليمين الاسرائيلي.

بدءا من المقدمة الطويلة التي وصفت وضع النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين وحتى أدق التفاصيل التي تمس مسألة التصريح بهدم بيوت في مناطق السلطة الفلسطينية. هذا نص مؤثر في قدرته على بناء رواية مشوهة للتاريخ واستخدامه كقاعدة لبناء واقع سياسي مشوه وخطير بشكل أكبر.

مثال على ذلك هو الجملة التي تقول إن "انسحاب من اراضي احتلت في حرب دفاعية هي ظاهرة نادرة في التاريخ"، ليس فقط أن هذه الحقيقة التاريخية هي أمر مختلف عليه، بل مجرد الاعتراف بأن حروب اسرائيل التي فيها سيطرت على اراضي كانت حروب دفاعية يمنح الشرعية للاحتلال- هكذا، اسرائيل غير ملزمة بالانسحاب مطلقا من المناطق.

واذا كان الامر كذلك فلماذا لا يتم الاعتراف بكل المناطق، بما في ذلك غزة، كجزء لا ينفصل من اسرائيل. وحتى أن الخطة تتوسع في ذلك وتقول بأن "هذا الحلم (صفقة القرن) سيساهم في نقل مساحة كبيرة من قبل دولة اسرائيل – مساحة تطرح اسرائيل حولها دعاوى قانونية وتاريخية سارية المفعول والتي هي جزء من اراضي وطن الاجداد للدولة اليهودية- الامر الذي يجب أن نعتبره تنازل كبير (من جانب اسرائيل)".

هذا اعتراف مطلق بالادعاء التوراتي كقاعدة لتسوية سياسية، دون التطرق مطلقا لمسألة الحقوق التاريخية للفلسطينيين على اجزاء من ارض اسرائيل. فعليا، ليس هناك أي حاجة الى تبرير "حرب دفاعية" من اجل شرعنة الاحتلال، التوراة توفر التبرير المطلوب بأكمله.

اقوال ترامب يمكن أن يكون لها تداعيات ليس فقط على النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، بل على كل نظرية العلاقات الدولية وعلى مكانة القانون الدولي. على سبيل المثال، اذا كان "حق الاجداد" والعلاقات التاريخية يمكن أن تبرر الضم، فلا يوجد أي سبب لفرض عقوبات على روسيا التي احتلت شبه جزيرة القرم.

إن وجهة النظر التي تم التعبير عنها في حلم ترامب تتناول ايضا مفهوم السيادة، التي يصفها كـ "مفهوم غامض تطور مع الوقت"، وهو مشروط بشبكة العلاقات والاتفاقات التي عقدتها الدول فيما بينها. "وجهة النظر التي بحسبها السيادة هي قانونية ومعرفة بصورة دائمة كانت عقبة غير ضرورية في المفاوضات في الماضي"، ورد في الخطة. "البراغماتية والاعتبارات التطبيقية تؤثر على الامن والازدهار، هي الامور الاهم".

هذا وصف يبعث على الحيرة في أصالته. أولا، لأنه يتجاهل مفهوم القومية والتطلع نحو تقرير المصير، ليس فقط للفلسطينيين، بل لكل شعوب العالم التي يجب أن تتنازل عن رغبتها في تقرير المصير داخل دولهم. ثانيا، هو ايضا يهز القاعدة التي على اساسها تطالب اسرائيل بسيادة على المناطق المحتلة. اذا كان الازدهار والامن هما الاعتبارات الاساسية فإن السيطرة على شعب آخر- كما خبرت الولايات المتحدة على جسدها ذلك في العراق وأفغانستان- هي الامر الاكثر بُعدا عن الامن. يبدو أن هذا التناقض لا يزعج ترامب الذي جل اهتمامه هو منح قاعدة اخلاقية، ايديولوجية ودينية لطلبات اسرائيل.

لا يوجد أي سبب ايضا لفحص معنى هذه المقولات من وجهة نظر الفلسطينيين. ترامب على ثقة بأن التطلع لازدهار الفلسطينيين يضمنه بواسطة استثمار 50 مليار دولار، الذي يلقي بكاهله على دول اخرى وليس على الولايات المتحدة. بالنسبة للأمن الخطة لا تعترف باحتياجات الفلسطينيين في هذا المجال، باستثناء القانون والنظام ومحاربة الارهاب. من المفهوم ضمنا أن الامن الفلسطيني يشتق من أمن اسرائيل.

 

معايير حالمة

 

من هنا يستقي ترامب المعايير التي بحسبها ستقوم الدولة الفلسطينية. الى جانب موضوع الحدود، التي تعرفها "الخارطة المفاهيمية" المرفقة بالخطة، يجب على الدولة الفلسطينية تلبية خمسة معايير "التي يجب على اسرائيل والولايات المتحدة معا المصادقة على تحققها... بعد التشاور مع السلطة الفلسطينية". الشروط تنص من بين امور اخرى على أن الفلسطينيين يجب عليهم "تطبيق اسلوب حكم يستند على الدستور (أو طريقة اخرى)، ترسخ سلطة القانون وتوفر حرية التعبير وانتخابات حرة واحترام حقوق الانسان لمواطنيها وجهاز قضاء مستقل.

على الفلسطينيين ايضا "انشاء مؤسسات تمويل أمينة وشفافة تستطيع الوفاء بالاتفاقات مع المؤسسات المالية الدولية. ويجب على الفلسطينيين الغاء كل البرامج، بما في ذلك البرامج التعليمية والكتب التعليمية التي تستخدم للتحريض وتشجيع الكراهية ضد جيرانهم. ويجب على الفلسطينيين ايضا انجاز اشراف مدني وتطبيق للقانون في كل المنطقة الجغرافية التي تعود لهم ونزع السلاح من مواطنيهم. ويجب عليهم الخضوع لشروط هذا الحلم".

للوهلة الاولى هذه معايير حالمة ضرورية لكل دولة في العالم. ولكن غيابها، حتى في اوساط حلفاء الولايات المتحدة، مثل السعودية ودولة الامارات ومصر، لا يمنع الأميركيين من أن يعقدوا معهم علاقات ممتازة. ميثاق مونتيفيديو الذي وقع في 1933 وتحول الى جزء لا ينفصل من القانون الدولي يحدد اربعة شروط لقيام الدولة: مجموعة سكانية ثابتة، منطقة جغرافية محددة، حكومة وقدرة على اقامة علاقات مع دول اخرى.

شرط آخر ينص على أنه يجب عدم استخدام القوة من اجل تحقيق السيادة. فلسطين التي حظيت بالاعتراف في الجمعية العمومية للامم المتحدة سيطلب منها تلبية شروط ترامب. الشروط استهدفت كما يبدو ضمان أن تكون فلسطين دولة قانون تضمن حقوق مواطنيها وتلبي معايير مؤسسات التمويل الدولية. ولكن ترامب ايضا يعين للفلسطينيين جسم مشرف إسرائيلي- أميركي، الذي سيحدد ويصادق على تلبيتهم لهذه الشروط. ليس جسم دولي أو المواثيق الدولية.

هذا التجديد كان يجب أن يهز كيان الامم المتحدة التي حتى الآن تصمت ازاء قدسية اللحظة. لا يوجد أي دولة في الشرق الاوسط، بما في ذلك العراق الذي تم احتلاله من قبل أميركا، طلب منها تلبية هذه الطلبات كشرط للاعتراف بها أو لاقامة علاقات سياسية مع الولايات المتحدة.

وليس من نافل القول أن ادارة ترامب تواصل مساعدة لبنان واقامة علاقات دبلوماسية وطيدة معه رغم حقيقة أن حزب الله، الذي يعتبر في الولايات المتحدة منظمة ارهابية، هو مركب رئيسي في حكومته. صيغة الخطة لا توضح هل الدولة الفلسطينية هي تلك التي يجب عليها تلبية هذه الشروط، أو أن السلطة الفلسطينية ملزمة بتلبيتها قبل أن تستطيع أن تحظى بمكانة دولة.

يبدو أن اسرائيل والولايات المتحدة تتطلعان الى أن السلطة بمكانتها الحالية ستنجح في صياغة دستور واجراء انتخابات وبناء مؤسسات مالية وتجريد مواطنيها من سلاحهم. ولكن اذا حدثت معجزة ونجحت السلطة الفلسطينية وحماس في التوصل الى تفاهمات حول مسألة السلاح أو المناهج التعليمية، فهل ستوافق اسرائيل على اجراء انتخابات في الجيوب الفلسطينية التي ستبقى في أيديهم؟ انتخابات كهذه يمكن أن تشكل حكومة لحماس في جميع المناطق، أو على الاقل حكومة وحدة وطنية تكون فيها حماس شريكة كبيرة.

خطة ترامب تنص بصورة صريحة على أن "الولايات المتحدة تتطلع الى أن لا تضم حكومة الدولة الفلسطينية أي عضو من حماس أو الجهاد الاسلامي أو التنظيمات الاخرى، إلا اذا تحققت جميع الشروط التي تسمح باشراك حماس".

هذه الشروط التي توضع تحت عنوان "معايير غزة"، تنص على أن "غزة ستكون منزوعة السلاح تماما، السلطة الفلسطينية أو أي جهة دولية اخرى مقبولة على اسرائيل ستكون هي صاحبة السيطرة الكاملة على غزة. وحماس والجهاد الاسلامي والتنظيمات الاخرى سيتم نزع سلاحها". بدون تحقق هذه الشروط لن تكون اسرائيل ملزمة بالوفاء بالتزاماتها حسب اتفاق السلام الإسرائيلي- الفلسطيني.

 

تفويض مصغر

 

ضمن هذه الشروط فإن اقامة دولة فلسطينية يشبه السير في متاهة بلا مخرج. في كل مسار ستجد السلطة نفسها امام سلسلة من الشروط التي مجرد الاعتراف بوجودها مرتبط بمصادقة اسرائيل. الخطة لا تتطرق أبدا لمكانة السلطة أو السكان الفلسطينيين في حال أن الدولة لم تقم، أو اثناء المرحلة الانتقالية الى حين اقامتها.

هل المناطق المتبقية تحت سيطرة الفلسطينيين في هذه الفترة هي مناطق محتلة وخاضعة للقانون الدولي؟ ولأن مفهوم الاحتلال غير مذكور أبدا في الخطة فليس من الواضح ايضا من هو المسؤول عن الادارة اليومية الجارية وعن تمويل ادارة السلطة الفلسطينية، على فرض أنها ستواصل الوجود. هل ستواصل اتفاقات اوسلو سريانها في هذه المناطق؟ ايضا على ذلك لا يوجد جواب في الخطة.

ترامب لا يكتفي بصياغة طريقة حكم جديدة وتحطيم القانون الدولي الذي وضع أسس الادارة والسيطرة على المناطق المحتلة، بل هو ايضا يحطم الذريعة الوطنية الفلسطينية لاقامة دولة تكون ملجأ للاجئين الفلسطينيين.

"الكتاب الابيض" الأميركي يقتبس اجزاء من "الكتاب الابيض" البريطاني عندما ينص على "حركة لاجئين من خارج غزة والضفة الى دولة فلسطين تكون خاضعة لموافقة بين الطرفين وتنظم حسب معايير مختلفة تشمل قوى اقتصادية مثل "الحفاظ على أن لا تزيد نسبة الداخلين أو تثقل على تطوير البنى التحتية والاقتصادية للدولة الفلسطينية أو تزيد الاخطار الامنية لاسرائيل".

وورد ايضا "عند التوقيع على اتفاق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين ستنتهي مكانة اللاجئين، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الاونروا" ستتوقف عن الوجود ومسؤوليتها ستنتقل الى الحكومات ذات العلاقة".

هنا تكمن احدى "الصياغات الابداعية" التي تأثر بها نتنياهو بشكل كبير. الخطة ترفض التعريف الذي استمر لاجيال من قبل الاونروا لمكانة اللاجئ. ولكن في نفس الوقت تنص على أنه فقط من كانوا مسجلين كلاجئين في الوكالة في يوم نشر الخطة سيحظون بمكانة لاجئ.

وكتب ايضا أن التسجيل كلاجئ هو فقط لغرض معرفة العدد المتوقع لدعاوى التعويض ويجب عدم تفسيره كموافقة أميركية على تعريف المنظمة لمنح مكانة لاجئ. يصعب التفكير بصيغة ملتوية ومتحايلة اكثر من التي توصل اليها السحرة في البيت الابيض، بالتشاور مع شعراء دولة اسرائيل.

في افضل الحالات، الخطة هي صك انتداب مصغر ينقل الى اسرائيل والولايات المتحدة الادارة المشتركة للمناطق المحتلة واحتكار تحديد الموعد والشروط لاقامة دولة فلسطينية. في الواقع الحالي هذا استمرار للاحتلال بشروط جديدة مثل تلك التي تبيض سرقة الاراضي الكبيرة التي تم تنفيذها خلال 53 سنة من الاحتلال.

 

هآرتس- 31/1/2020

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب