*في الانتخابات الثالثة اضيف عامل جديد ستكون له آثار على مستقبل اسرائيل الا وهو موقف الكتلتين المتنافستين من الضم الفوري لجزء كبير من الضفة مما سيعطل ويعرقل كل مفاوضات لاحقة مع الفلسطينيين ويخرب على علاقات اسرائيل مع جيرانها ومع العالم بأسره*
الجولة الثالثة من الانتخابات العامة هي مرة اخرى نوع من الاستفتاء الشعبي على شرعية ترشيح بنيامين نتنياهو. واضح أنه سيكون هذا الموضوع هذه المرة حادا على نحو خاص، اولا لانه رفعت لائحة اتهام ضد رئيس وزراء قائم على مخالفات خطيرة جدا؛ ثانيا، لانه اضطر للتراجع عن طلبه الابقاء على حصانته؛ وأخيرا لان موعد محاكمته تقرر منذ الان، ويدور الحديث عن ايام قليلة ما بعد الانتخابات.
اذا كان في الجولات السابقة لا يزال يبدو موضوع تقديم رئيس الوزراء الى المحاكمة، في المرة الاولى في تاريخنا، موضوعا غامضا بعض الشيء، فهذه المرة بات الحديث يدور عن موضوع ملموس جدا، وعن رئيس وزراء سيضطر للوصول الى المحكمة المرة تلو الاخرى، وان يدير شؤون الدولة بينما يكون عقله منشغلا بالجهود لانقاذ نفسه من المكوث في السجن.
من الصعب التصديق بان محاولات نتنياهو المثيرة للشفقة للاشارة الى رؤساء كحول لفان كفاسدين بقدر لا يقل عنه ستنجح، وتخلق احساسا بين الناخبين بانه لما كان كل السياسيين فاسدين ظاهرا، فالحديث يدور هنا عن سياسة انتقائية وضعت لنفسها هدفا المس به فقط.
ولكن للسؤال حول ما الذي تغير في جولة الانتخابات هذه عن كل الجولات، يوجد هذه المرة جواب اضافي: تصل الكتلتان السياسيتان الكبريان الى الناخب مع فكرتين سياسيتين واضحتين ومتعارضتين، وهذا التضارب لم يميز الجولتين السابقتين. ظاهرا، في كلتيهما يوجد تأييد مبدئي لخطة ترامب، ولكن بينما يرى اليمين فيها فرصة للضم ويعد بضم نحو ثلث الضفة الغربية اذا ما سمحت له أميركا بذلك فقط، تشترط كتلة الوسط اليمين كل ضم بالتوافق.
ولما كانت الجهة الوحيدة التي ستوافق على ذلك في العالم هي ادارة ترامب، وهي الاخرى كفيلة بان تنهي دورها التاريخي بعد بضعة اشهر، واضح بان ما يطرح على التصويت يوم الاثنين القريب القادم هو هل يتعين على اسرائيل أن تستغل التأييد الأميركي فتضم كل ما يسمح لها بضمه، ام ربما يدور الحديث هنا عن خطوة خطيرة لاسرائيل في كل ما يتعلق بالعلاقات المركبة بيننا وبين جيراننا، وبالاساس، القيادة الفلسطينية، الاردن ومصر.
ان تأييد كتلة الاحزاب التي تسعى لتغيير الحكم الحالي في اسرائيل هو تأييد للنهج الذي يقول انه مع بدء المفاوضات مع الفلسطينيين (ما هو كفيل بان يتحقق فور تشكيل الحكومة التالية) ستعرض اسرائيل مواقفها بالنسبة للاتفاق الدائم، وفي اطار عرض هذه المواقف ستطرح المطالبات الاقليمية التي ستعوض باراض من داخل اسرائيل السيادية وتنقل الى الدولة الفلسطينية المستقبلية.
سيجرى بحث وتداول، الى أن يكون توافق، لن يكون مشابها لخريطة ترامب، لا للسيادة التي يفترض أن تبسط على 15 جيب اسرائيلي داخل الدولة الفلسطينية، ولا في الارض الواسعة لغور الاردن، والتي حتى نتنياهو نفسه لم يطلب عليها السيادة في المحادثات التي اجراها جون كيري (في فترة الرئيس اوباما في السنوات 2013 – 2014) وفي ظروف اخرى.
ان تأييد الائتلاف الحالي هو تأييد لخطوة مواجهة مباشرة مع الاغلبية الساحقة من دول العالم، خرق الاتفاقات الدولية، قرارات مجلس الامن والمعايير الدولية، وهو من شأنه أن يعرض للخطر المكانة السياسية لاسرائيل ووضعها الاستراتيجي. سيكون هذا استغلال لقرار حكومي من شأنه أن يؤدي الى ترك اسرائيل لمصيرها.
لما كانت مسألة مستقبل نتنياهو الشخصي تواصل كونها مركزية جدا وعلى خلفية الانشغال بالكورونا ازيحت المسألة السياسية، التي نشأت من جديد في اعقاب عرض خطة القرن، الى الزاوية من المهم أن نفهم بان العرض الذي ترحب فيه الكتلتان السياسيتان بمبادرة ترامب لا يعني أنهما الاثنتان تتعاطيان معها بشكل مشابه. فأحد الطرفين يتمسك بمبادئها ولا سيما بمبدأ حل الدولتين، والطرف الاخر يتمسك بامكانية الضم لاسرائيل لجزء واسع من الضفة الغربية. والحسم بينهما كفيل بان يكون حرجا.
يسرائيل هيوم- 28/2/2020
إضافة تعقيب