هآرتس- 27/1/2021
*تحوّل الحريديم من يهودية مسكينة الى يهودية عنيفة. والآن يوجهون اليهم جميع الاتهامات وكأنه من دون الحريديم لكانت اسرائيل دولة ديمقراطية نموذجية ورمز للمساواة وسلطة القانون*
هؤلاء الشياطين غيروا قواعد اللعب، قالوا عن الحريديم. حتى مجيء الكورونا كان كل شيء واضحا، منظما ومتناسقا. الحكومة دفعت وهم ساعدوها. من أراد اعتبر ذلك نموذجا لليبرالية متعددة الثقافات، ومن غضب من ذلك عض على شفتيه، لكنه عرف أن هذه معركة خاسرة لأن دولة يهودية لا يمكنها أن تحطم روح اليهودية.
الشخصيات الملتحية مع الشعر المسترسل والمعطف الطويل، صورة اليهودي الكلاسيكي في الكاريكاتورات اللاسامية، ترمز في اسرائيل الى جوهر اليهودية المتعمقة في الدين والى المتحدث بلغة الايديش والى ذريعة اقامة دولة اليهود.
وقد كان للحريديم دور هام آخر. فقد منحوا لليهودية العلمانية والشرقية ما يسمى بـ "الصهيونية الدينية"، مكانة اليهودية التقدمية، الليبرالية، التي تحب العلم والمعرفة، يهودية القوة والعظمة العسكرية، يهودية "لن يتكرر مرة اخرى" و"فقط هكذا"، يهودية المستوطنات والتلال، يهودية "الدماغ اليهودي" الذي يفوز بجوائز نوبل والمنتج العالمي للهايتيك. غيتو الحريديم لعب دور المتحف اليهودي، دور "القربان" و"الكارثة امام البطولة"، "الدائم أمام الآني".
هؤلاء الشياطين غيروا القواعد، يقول العلمانيون ايضا. لو أن الحريديم بقوا ينشغلون فقط بتعلم التوراة، وبقوا في المدارس الدينية ويحذرون من عدم الاعتراف بالدولة الصهيونية، لكنهم يخضعون للسلطة، فربما أن صبر الجمهور اليهودي الاسرائيلي لم يكن لينفد ولكان مستعدا لمواصلة الدفع من اجل صيانة هذه المحمية.
لكنهم دخلوا بزخم الى السياسة، وجعلوا من انفسهم قوة فظيعة لا تستطيع الحكومات أن تتشكل بدونها، وأخذوا من الخزينة الكثير، بما يتجاوز نصيبهم، وتشجعوا على أن يفرضوا نمط حياة "يهودي" على الدولة. وقد اصبحوا مواطنين في دولة لا يعترفون بها. في دولة فيها الضرائب والخدمة العسكرية هي أسس المواطنة واختبار للمساواة في تحمل العبء.
وقد حصلوا على تصريح للتهرب من الأمرين، اذا لم يكن بشكل قانوني فبالتأكيد بشكل فعلي. المفارقة هي أن أحد القطاعات الاكثر فقرا في الدولة يمسك بيديه القوة السياسية الاكثر قوة. وبصلاحيات تنفيذية ضخمة ممسوكة بقوة بأيدي ممثليه الذين يشغلون وظائف وزراء ونواب وزراء. هم غير مذنبين بمكانتهم الاستثنائية، وحتى غير مذنبين في استغلالها. هذا كان الاتفاق.
فجأة يعتبرونهم تهديدا وجوديا، هم لا ينفذون التعليمات ويقومون بفتح مدارس التوراة والمدارس الدينية خلافا للتعليمات، ويقومون برشق الحجارة وضرب رجال الشرطة واحراق الحافلات، ويبدو أنهم هم الذين يعدون كل اسرائيل بالكورونا، ويهددون قدرة الحكومة على أداء دورها، ويشكلون تهديدا على مبدأ المساواة أمام القانون على وسيادة دولة اسرائيل على كل حدودها.
من يهودية مسكينة تحولوا الى يهودية فظة وعنيفة. وكأنه بدون الحريديم لكانت اسرائيل دولة ديمقراطية نموذجية، رمزا للمساواة وسلطة القانون والفضيلة. والاخطر من ذلك: ليبراليون اسرائيليون يقترحون تقليدهم وتبني تمردهم وتصميمهم. وأن يظهروا للسلطة مثلهم ماذا يعني أن تكون اقلية مضطهدة.
في المقابل، ديمقراطيون متطرفون يقترحون ضربهم على رؤوسهم وتعليمهم درس وزيادة قوة الحكومة أمام المشاغبين والقاء المسؤولية عن ذلك على رأس الحكومة وعلى الحكومة كلها. هكذا تحول الحريديم الى من يحددون الديمقراطية الاسرائيلية والمنتقين في الليبرالية الصحيحة وفاحصي حوكمة الحكومة.
الآن يوجهون اليهم معظم الاتهامات: الحريديم هم الذين يحددون اذا كانت اسرائيل قد فشلت في اجتثاث الوباء، وهم من يقررون اذا كان رئيس الحكومة سينجح في حمل راية الانتصار على الوباء، وهم الذين يحسمون اذا كان مئات آلاف العاطلين سيعودون الى العمل، وهم الذين يدفعون من يحرصون على حقوق الانسان الى الدفاع عن رجال شرطة عنيفين.
يبدو أنه لم يعد من المهم لهم اذا كانوا سيخدمون في الجيش، أو يخرجون للعمل، أو أن يدرسوا المواضيع الاساسية. فقط المهم هو أن لا يصيبوا أحد بالعدوى، وليواصلوا كونهم الآخر النهائي للإسرائيلية التي تحافظ على القانون، المتنورة والصحية، والتي بخصم الحريديم منها بنت هنا دولة مثالية.
إضافة تعقيب