*صفقة القرن تقترح أن يتم سلب القدس من الفلسطينيين وتغيير الوضع الراهن في الحرم. وهي خطة مليئة بالتناقضات وعدم فهم الوضع في المدينة*
جرافة في حانوت للخزف: هكذا ظهر الفصل الذي تحدث عن القدس في خطة السلام للرئيس ترامب. كاتبو الخطة أعلنوا عن الحاجة الى العمل بـ "حساسية كبيرة" في المدينة. ولكنهم بعد ذلك قاموا بالدوس بشكل فظ على مشكلات حساسة، معقدة وخطيرة، دون التعمق في التفاصيل ودون فهم بالحد الادنى للمدينة ومع تناقضات داخلية جوهرية.
مثلا، الخطة تعلن بأن الوضع الراهن في الاماكن المقدسة سيتم الحفاظ عليه، "خاصة الوضع القائم في الحرم/ المسجد الاقصى". ولكن في فقرة اخرى في الخطة كتب "سيسمح للجميع من كل الديانات بالصلاة في جبل الهيكل/ الحرم بصورة تحترم دينهم وتراعي اوقات الصلاة للأديان الاخرى والاعياد".
ولكن البند الاكثر اهمية في الوضع القائم "غير المكتوب" في جبل الهيكل هو أنه لليهود والآخرين غير المسلمين ليس هناك حق للصلاة في جبل الهيكل. هذا الوضع القائم صادق عليه نتنياهو في 2015. فما هو معنى الوضع القائم اذا كان يوجد للجميع حق للصلاة في الحرم؟
كاتبو الخطة الأميركية يوافقون على الرؤية التي بحسبها اسرائيل يحق لها الاحتفاظ بجميع الاماكن المقدسة. هذا الحق، حسب كاتبي الخطة الذين يعتمدون على نتنياهو، لا ينبع فقط من علاقة اسرائيل بالاماكن المقدسة، بل لكونها السلطة الوحيدة التي حافظت على حرية العبادة لجميع الديانات في القدس.
لذلك، فان استنتاج الخطة هو أن اسرائيل ستواصل الاحتفاظ بالحوض المقدس في القدس. الخطة مرفقة بقائمة تتكون من 35 مكان مقدس في المدينة، بما في ذلك مدينة داود، بركة سلوان وكنائس كثيرة. الفلسطينيون سيحصلون على المصادقة على تشغيل المرشدين السياحيين في الاماكن المقدسة في القدس. ومقابل هذه المصادقة يجب عليهم التنازل عما اعتبر رمزا دينيا والمركز الاهم لوطنيتهم.
حسب الخطة، تقريبا جميع القدس ستبقى في أيدي اسرائيل، باستثناء زاويتين صغيرتين وهما مخيم شعفاط للاجئين وكفر عقب. هاتان المنطقتان الموجودتان داخل حدود بلدية القدس تم فصلهما عن المدينة قبل 15 سنة بواسطة جدار الفصل. ونتيجة هذا الفصل كانت أن السلطات الاسرائيلية انسحبت تقريبا بشكل تام من هذه الأحياء، التي تحولت الى مناطق تسودها الفوضى.
في اعقاب ذلك اقيمت فيها مبان ضخمة لشقق سكنية غير قانونية. والآن يعيش فيها 120- 140 ألف نسمة، معظمهم يحملون بطاقة الهوية الزرقاء. أي أن واحد من كل ثلاثة فلسطينيين في القدس يعيش في هذين الحيين اللذين سيتم اخراجهما خارج حدود المدينة حسب الخطة.
الخطة تقترح على الفلسطينيين تحويل هذين الحيين سيئا الحظ (مع أبوديس التي تقع في شرقي القدس) الى عاصمة فلسطين. الخطة تبالغ في سخائها بشكل مفاجئ للفلسطينيين وتقول بأنه يمكنهم تسمية هذه المدينة العاصمة "القدس"، أو أي اسم آخر تقرره الدولة الفلسطينية. ومن اجل التأكيد على هذا السخاء، فان هذه الجملة تكررت مرتين في النص.
السكان في الاحياء التي تقع خلف الجدار صدموا من الاعلان عن الخطة. فمنذ زمن هم يخشون من أن اسرائيل تقوم بالتآمر من اجل فصلهم عن مدينتهم. والوزير زئيف الكين دفع قدما بخطة مشابهة. وأمس سمعت اصوات مستغربة لسكان في مخيم شعفاط ومنطقة كفر عقب.
وكثيرون تساءلوا، هل يجب عليهم البدء في البحث عن شقة داخل حدود القدس أو عن أي مكان آخر في اسرائيل من اجل عدم فقدانهم لحقوقهم. يجب التذكر بأن الحديث يدور عن فلسطينيين مقدسيين انتقلوا الى السكن هناك بسبب الضائقة السكنية في شرقي القدس. العمل والمدارس وصناديق المرضى والمسجد الاقصى وأبناء عائلاتهم، كل ذلك يوجد في القدس. واذا وضعت حدود بينهم وبين كل ذلك فستحدث كارثة.
ومن اجل تهدئة اصدقاء يوجدون هناك قمت بإرسال "قانون الاساس: القدس" لهم. وهو القانون الذي تمت المصادقة عليه بحماس في اليمين والآن هو يعتبر العائق القانوني الاقوى أمام تطبيق الخطة في القدس.
قانون الاساس: القدس هو البند الاكثر تحصينا في كتاب القوانين الاسرائيلي. وإذا أرادت حكومة اسرائيل حقا نقل الاحياء التي تقع خلف الجدار الى السلطة أو الى الدولة الفلسطينية فيجب عليها المصادقة على ذلك بأغلبية خاصة، 80 عضو كنيست، ومن خلال اجراء استفتاء. العضو في مجلس البلدية، آريه كينغ، هاجم في السابق الخطة التي تقسم القدس.
ما الذي سيحدث للـ 200 ألف فلسطيني يعيشون في شرقي القدس في المناطق الموجودة داخل الجدار؟ الخطة تقترح عليهم الاختيار بين البقاء كسكان في دولة اسرائيل أو التحول الى مواطنين في الدولة الفلسطينية (ليس من الواضح كيف سيعمل ذلك، من الذي سيقدم لهم الخدمات؟ والى أي شرطة سيخضعون؟ ولأي برلمان سيصوتون؟ وما هي الصلاحيات التي ستكون لهذا البرلمان عليهم؟)، أو أن يكونوا مواطنين في دولة اسرائيل. في هذه الاثناء اسرائيل تعلن بأنه يمكنهم أن يصبحوا مواطنين، لكن هذا تصريح فارغ من المضمون. عملية الحصول على الجنسية هي عملية صعبة وطويلة الى درجة أنها لا تعني الاغلبية العظمى من سكان شرقي القدس.
ذروة انفصال الخطة عن الواقع هي البند الذي يتناول "منطقة سياحية خاصة". حسب هذا البند، اسرائيل ستسمح للفلسطينيين بتطوير منطقة سياحية خاصة في عطروت، التي تقع في الجانب الاسرائيلي للجدار (الحدود المستقبلية حسب الخطة). من الواضح أن من كتب ذلك لم يكن في أي يوم في عطروت، التي تتكون من منطقة صناعية قبيحة ومهملة، وفيها حاجز قلندية ومنشأة لفصل النفايات وسور كبير من الاسمنت ومطار مهمل. فمن الذين سيرغب في زيارة هذا المكان؟
يمكن مواصلة تحليل الأمور غير المعقولة، العيوب والتناقضات التي توجد في هذه الخطة. ولكن ذلك لا يفيد. خطة سلام مستقبلية يجب أن يتم فحصها حسب معيار واحد فقط: اليوم ولد في مستشفى هداسا في جبل المشارف طفلين، اسرائيلي وفلسطيني.
هل هذه الخطة ستضمن أنه بعد عشرين سنة فان هذين الشابين سيكون لديهما حقوق متساوية؟ هل سيكون لكل واحد منهما دولة؟ هل سيتمكنان من التأثير على حياتهما من خلال التصويت في صناديق الاقتراع؟ هل سيكون لهما حق متساو في الحصول على الموارد وفي الفضاء وفي تقرير المصير وحق العبادة وحرية الحركة والكرامة؟ اذا كانت الاجابة على أحد هذه الاسئلة هي لا، عندها فان الامر لن يكون متعلقا بخطة سلام أو حل، بل بجزء من المشكلة.
هآرتس- 30/1/2020
إضافة تعقيب