news-details

صمود شعبنا وواهنو القدميْن| أيمن عودة

يصادف اليوم، الثاني من تشرين الثاني، ذكرى وعد بلفور الاستعماري المشؤوم الذي جوهره إقامة "بيت قومي لليهود" ومنح "حقوق مدنية ودينية للمجموعات السكانية غير اليهودية".

هذه الوعد الصغير بعدد كلماته الـ67، مفصليّ في خطورته، فبعده تحوّلت الحركة الصهيونية إلى مشروع جدّي تدعمه أقوى دولة في العالم، حينذاك. ولا شكّ أن الوعد الموجّه للّورد روتشيلد كان مقبولًا ليس فقط على "تيار العمل" وإنما على "التيار التنقيحي" أيضًا، الجد الروحي "لليكود" وأشباهه، فها هو جابوتنسكي يكتب مقاله الفارق "الجدار الحديديّ" الذي يخصصه للمواطنين العرب، مؤكدًا أن العرب لن يستسلموا بسهولة، وفقط مع القوة الأمنية وإخضاع العرب مرة تلو الأُخرى سيُذعنون بقبول "البيت القومي لليهود" والاكتفاء بـ"الحقوق الدينية والمدنية للمجموعات السكانية غير اليهودية". فهل حقًا؟!

 

مواطنون في الخطة 922 ورعايا في الخطة 923!

 

ميزانية دولة إسرائيل لسنة 2021 ستكون 432 مليار شاقل للوزارات مباشرة، ولكنّها 610 مليارات شاقل تشمل الديون والالتزامات للسنة الحالية (2021)، والخطة الخماسية للمواطنين العرب 29,5 مليار شاقل لمدة خمس سنوات، أي أقل من 6 مليارات شاقل للسنة الواحدة من أصل 610 مليار وهي الميزانية العامة للدولة، أي أقل من 1% من هذه الميزانية العامة. وأضف على ذلك أنّ ميزانيات الخطة الاقتصادية 923 هي تجميع للميزانيات المستحقة للمجتمع العربي في كافّة الوزارات، وليست ميزانيات إضافية بقيمة 29,5 مليار شاقل للمجتمع العربي.

الخطة الاقتصادية 923 التي هي استمرار للخطة 922 من سنة 2015 وتزيد عليها (مع باقي الخطط الاقتصاديّة للمجتمع العربي) بـ2 مليار شاقل بعد ست سنوات، والنقاش حولها هام جدًا، ويفيد مجتمعنا، ولكنّه نقاش مضرّ للغاية إذا تركّز فقط بـ1% من الميزانية وترك كليًا الـ99%.

الخطة الاقتصادية جزء صغير من حقّنا، وبالطبع ليست منّة من أحد، ولكن الأمر الجديد بتصرّف الموحدة أنه لأول مرة، منذ انتهاء العهد البائد لـ"العرب الجيدين" هناك من يقايض جزءًا صغيرًا من حقّنا بالتصويت على ميزانية تضرب شعبنا والفقراء بالصميم. أي يصوّت مع الاستيطان وحصار غزة وتقوية جيش الاحتلال وبناء 9 آلاف وحدة سكنية في القدس العربية، ورفع ضريبة الوقود، رفع سن التقاعد الذي يخسر منه الفقراء أكثر لأنهم هم الذين يعملون بالأشغال الصعبة التي لا تتحملها أجسادهم التي تكبر بالعُمر، وزيادة أسعار السلع الأساسية مثل الخبز، الخضراوات والفواكه، وكذلك المواصلات العامة. فأنْ تقايضُك المؤسسة على خُطة هي جزء نزير من حقّك ولا تزيد عن 1% من الميزانية مقابل موافقتك على ضرب شعبك والفقراء بـ99% من الميزانية، فهذه ليست فقط شراكة في الإضرار الفظيع بالناس، وإنما قبولك أن تكون رعيًّا حقوقه معروضة للمقايضة، وليس مواطنًا يحصل على حقه دون مقايضة بموقف سياسي أو موافقة على الميزانية وغيرها.

عقلية الرعايا هذه والتي في أساسها نهج المقايضة على الحقوق وربطها بالمهادنة بالمواقف السياسية والوطنية، تعيد عقلية الحكم العسكري لأذهان المواطنين العرب والمؤسسة الحاكمة بتعاملها معنا على حدٍّ سواء، حيث تتم معالجة قضايا المواطنين العرب فقط بميزانيات مخصّصة لهم بعيدًا عن الميزانية العامة وعن طريق لجنة برلمانيّة خاصّة لا تأثير لها تعنى بشؤونهم بعيدًا عن اللجان الأخرى.

ولهذا فقد كان نضالنا من أجل الخطة 922 بنّاءً وليس استهلاكيًّا فقط لتحصيل ميزانيات لمرة واحدة، حيث أنها وبالإضافة للمليارات التي جلبتْها للمجتمع العربي، فإنها شملت تغيير بُنيَة توزيع الموارد. وبهذا فهي الأساس المتين والمباشر للخطة 923، كان نضالًا من أجل حقنا، ولم نقايض أبدًا بل صوّتنا ضد الميزانية العامة في ذات السنة التي شملت الخطة 922.

التعامل بعقلية المقايضة مع الميزانية العامة، هو هروب ذاتي من أُفق المواطنة الشامخة إلى خانة الرعايا المنبطحة، وهذا ما تقوم به القائمة الموحدة بالشراكة مع حكومة نفتالي بينت اللذان يؤسسان لعقلية الرعايا للعرب ويكرّسان فوقية اليهودي وفق معادلة وعد بلفور: بيت قومي لليهود وحقوق مدنية ودينية للمجموعات السكانية من غير اليهود.

 

تجربة شاس

 

التوجّه ليس بائسًا بالمفهوم الوطني والمدني وحسب، بل هو غير مجدٍ بالضرورة، وأسوق مثلًا للتأكيد على ذلك، تجربة حركة شاس التي شاركت بالائتلاف الحاكم منذ 37 عامًا. والتي يحلو للبعض مقاربتها كنموذج للتأثير.

فما هو وضع جمهور حركة شاس اليوم بعد هذه التجربة الطويلة؟

حركة شاس موجودة في الائتلاف الحكومي معظم الدورات منذ العام 1984، ورغم أنها تدعم حكومات يمينية في حروبها، وتدعم قوانين عنصريّة مثل قانون القومية والمواطنة (المعروف شعبيًا بقانون "لمّ الشمل") وقوانين هدم البيوت العربية مثل قانون "كامينتس"، ورغم تبوّئها وزارات اجتماعيّة بشكل دائم، إلا أنّ جمهور مصوّتيها ما زال يقبع في العناقيد الاجتماعية 1-4 وهي نسبة الفقر الأعلى بين اليهود، وقريبة جدًا من نسبة الفقر عند العرب.

هذا هو حال جمهور شاس، رغم الحكومة والوزارات وذكاء وحنكة أرييه درعي، ورغم الفرق الأساس أنهم يهود ونحن عرب، فهل من مدكّر؟!

 

بين الوحدة ونهجها والفُرقة ونهجها

 

  في ظلّ الحروب الأهلية في العالم العربي والانقسام الفلسطيني، كان أكثر من 90% من أبناء الشعب الفلسطيني من مختلف الشرائح المِنطقية والطائفية يتوحّدون ويدعمون القائمة المشتركة فحققت حضورًا سياسيًا كبيرًا، تصدّت لأخطر السياسيين الإسرائيليين ومنعته هي من تشكيل حكومة، وأسقطت معه صفقة القرن، أخطر مخطط راهن ضد الشعب الفلسطيني عمومًا والمواطنين العرب، وانتزعت أكبر ميزانية في مسيرة المواطنين العرب مع تغيير بنيوي مؤسس للمراحل القادمة، وفي صُلبها الخطة الاقتصادية 922، دون أي مقايضة، لا بل عارضت المشتركة حكومة نتنياهو بكل قوة وفاعلية حتى منعته من تشكيل حكومة أكثر من مرة. يُمكن تلخيص هذه المسيرة بالسعي لإيجاد التوازن الدقيق بين الانتماء الوطني والمواطنة والتأثير بها. بهذا شكّلت القائمة المشتركة بمركباتها الأربعة في حينه مرحلة صاعدة في مسيرة أبناء شعبنا النضالية لنيل الحقوق وتماشيًا مع رغبته الوحدويّة لجميع أطياف شعبنا، ولبنة إضافية ومهمّة جدًّا في تشكيل الهوية الجماعية.

الفُرقة شتّتت أبناء الشعب الواحد، أعادت ذهنيّة القبائل المتنازعة والمجموعات السكانيّة بدلًا من ذهنيّة الشعب الواحد المكافح، خفضت نسبة التصويت، خلقت، وما فتئت، حالة صراع مرير استخدمت به كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة للشرذمة، ربطت الحقوق بالميزانية، بل وتجيير الحقوق مقابل وعود بالميزانيات، جعلت الموحدة تصوّت ضد لمّ الشمل وضد حقوق مدنية للمواطنين العرب؛ هي جزء من حكومة ترفض الاعتراف بمجزرة كفر قاسم المروّعة. ومن هذه الحكومة نائبان من كفر قاسم ذاتها، وليد طه وعيساوي فريج، وخلال هذا الأسبوع ستكون قائمة عربية لأول مرة، منذ "العرب الجيدين"، تدعم بشكل مباشر وصريح الميزانية التي في صُلبها الاحتلال، حصار غزة، التضييق على فلسطينيي القدس الشرقية، رفع غلاء المعيشة، رفع سعر الوقود، رفع أسعار الخبز، الخضراوات والفواكه، وكذلك، المواصلات العامة..

***

في حديث إذاعيّ قال رئيس القائمة الموحدة: "قانون القومية به أبعاد إيجابية"، وفي حديث آخر قال: "دع اليهود يختارون من يكون رئيس الحكومة، ونحن نتعامل مع من يختارونه". بعد هذا الخضوع التام لمنهج وعد بلفور حول الحقّ القومي والمدني لليهود واقتصار المدني لنا، وبعد الخضوع التام للجدار الحديدي لصاحبه جابوتنسكي، فما هي المفاجأة بقوله ببث حرّ ومباشر في برنامج أوفيرا وبركو: "على اليمين أن يختار هل هو يمين سموترتش أم يمين... جابوتنسكي؟!

 

***

بالأخبار الطيبة نختتم، نجاحنا برفع مخصصات كبار السنّ الأضعف اقتصاديًا، هو ليس فقط تحقيقا جزئيّا لعدل، وإنما هو استثمار في الطبقات الأضعف، وهذا بديل للسياسة الاقتصادية الليبرالية التي تريد تقوية الأقوياء بادعاء أنهم الأقدر على تحريك دائرة السوق ودفع ضرائب عالية. هذه السياسة ليست مُجرمة بحقّ الفقراء فحسب وإنما تعزز الفوارق الاقتصادية داخل المجتمع العربي ذاته، الأمر الذي لا يظلم الفقراء وحسب وإنما هو البيئة الأساسية لنموّ وتصاعد الجريمة في مجتمعنا.

مبارك مرحليًا لكبار السنّ، وسنواصل مع شعبنا بكرامة، كما يليق بأهل وطن، بمواطنين، وبأصحاب حقّ.

_________

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب