بداية، لمحة تاريخية
سارت الحركة النقابية العربية السورية منذ بداياتها في طريق النضال ضد الاحتلال، فقد بدأ نشاطها في ظل الاحتلال الفرنسي للوطن السوري، واضطرار الحركة النقابية العمل بشكل سري، فالشرارة الاولى للعمل النقابي المُنَظَّم حدثت عندما قام: "إتحاد عمال دمشق عقد مؤتمره التأسيسي ١٩٣٤ م بصورة سرية"(١)، وبعد نضال مستمر تم انتزاع اعتراف بالتنظيم النقابي السوري، من قوات الاحتلال الفرنسي، وجرى عقد المؤتمر التأسيس للاتحاد بتاريخ ١٨/٨/١٩٣٨م "وتحول هذا الاجتماع الى مؤتمر تأسيسي أسفر عن تشكيل الاتحاد العام لنقابات العمال ومقره دمشق"(٢).
لكن لا بد لنا من الاشارة هنا، الى أن جميع الوثائق والأدبيات النقابية تُشير الى أنّ الحراك النقابي في بلاد الشام (سوريا، لبنان وفلسطين) كان متشابكًا ومن قام بالدور الاساسي في تأسيس الحركة النقابية في هذه البلدان الرفاق الشيوعيون، وعن ذلك جاء: "لعب الرفاق الشيوعيون السوريون منذ اللحظات الاولى للتأسيس دورًا مهمًا في العمل بين صفوف العمال، قياديًا وتنظيميًا، وهذا الدور مكّن الشيوعيين من أن يصبحوا قوة سياسية هامة تُساهم في مقاومة الاحتلال الفرنسي ومقاومة إستغلال الطبقة العاملة، وكذلك مقاومة محاولات القوى الرجعية التي سعت الى جذب العمال الى صفوفها، عبر القيادات النقابية الوسطية في مواقفها والمتأثرة ببعض القيادات السياسية في ذلك الوقت"(٣).
بعد الاعتراف والتنظيم استطاعت الحركة النقابية إجبار الحكومة بتاريخ ١١/٦/١٩٤٦م تشريع قانون عمل يشمل الحقوق الاساسية للعمال مثل العمل ثماني ساعات في اليوم والحق بالضمان الاجتماعي والاضراب.بعد الاستقلال بدأ الاتحاد العام لنقابات عمال سوريا يأخذ دوره النقابي والوطني وأصبح قوة هامة في المشهد النضالي الاجتماعي والسياسي السوري.
المبادرة لتأسيس الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب
خلال انعقاد المؤتمر الثامن للإتحاد العام لنقابات العمال في سوريا في آذار ١٩٥٥م إقترح عدد من الاعضاء إنشاء منظمة عمالية عربية تحمل إسم إتحاد العمال العرب، وتم إتخاذ قرار أو توصيه بالعمل من أجل تنفيذ ذلك، بعدها تم توجيه دعوات لممثلي اتحادات نقابية عربية لاجتماع تشاوري خلال العام نفسه وبتاريخ ٦/١٢/١٩٥٥م شُكّلت لجنة تحضيرية لإعداد الدستور وبتاريخ ٢٢-٢٤/٣/١٩٥٦م عُقد المؤتمر التأسيسي الاول للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، على أن يكون مقره العاصمة السورية دمشق، ومنها يمارس نشاطاته.
لكن هذا الاتحاد الذي ضم في البداية ممثلين عن النقابات في كل من سوريا ومصر ولبنان والاردن وليبيا، ولاحقًا انضمت إليه مختلف الاتحادات النقابية العربية مثل العراق والجزائر والسودان وتونس والمغرب واليمن وفلسطين وغيرها، بقي يعمل في محدودية معينة، وهي البقاء في ظل السياسات الحكومية الرسمية وعدم إبراز استقلاليته واتخاذ مواقف أكثر وضوحًا، بل مواصلة التماهي مع السياسات الحكومية.
الارهاب يستهدف منذ البداية الحركة النقابية
منذ إندلاع الحرب العدوانية على الدولة السورية قبل ثماني سنوات، كانت الحركة النقابية والمؤسسات والمقرات النقابية هدفًا للإرهابيين ومن يقف معهم ويدعمهم، حيث تعرضت هذه المقرات للإعتداءات والتفجير والقصف وسقوط العديد من الضحايا الشهداء من بين النقابيين والعمال، ووفق تصريح للنقابي جمال القادري رئيس اتحاد نقابات عمال سوريا اليوم، قبل فترة قليلة تحدث عن سقوط شهداء عددهم أكثر من عشرة الاف عامل وهم يعملون في أماكن عملهم وفقدان حوالي أربعة آلاف لا يعرف مصيرهم حتى الآن.
وضمن هذه الاعتداءات الوحشية قيام مجموعة داعشية في الثاني من شباط/فبراير 2013م بتنفيذ عملية إغتيال بشعة لإبراهيم عزوز وزوجته وإبنتيه في منطقة الشيخ سعيد بمدينة حلب وهو أخو النقابي محمد شعبان عزوز رئيس الاتحاد العام لاتحاد نقابات عمال سوريا يومها.
كما قامت مجموعة إرهابية اخرى بعملية تفجير ليلية استهدفت فيها مقر الاتحاد العام لنقابات العمال العرب في دمشق، أدت الى تدمير المبنى على جميع محتوياته. وبفضل وقوع الاعتداء التخريبي في الليل لم يسقط شهداء في المبنى.
بعدها اضطر الاتحاد الى نقل نشاطه ومكاتبه في هذه المرحلة الى العاصمة المصرية القاهرة.
تجديد النشاط النقابي السوري وسط التحديات
قبل عدة أشهر وبالتحديد بتاريخ ٣٠/٨/٢٠١٨م عقد المجلس العام لنقابات عمال سورية دورته الحادية عشرة، وذلك في مبنى إتحاد العمال بهمة عالية تظهر من مداخلات الاعضاء وتم التعبير من خلالها عن افشال "المخططات التي رسمت منذ ثماني سنوات لتدمير وتخريب سورية حيث سعت أدوات الارهاب والاجرام التي إستخدمت لتدمير كل أشكال الحضارة والتاريخ ولتمحو إرثًا حضاريًا يمتد لمئات السنين" كما قال في الاجتماع النقابي نفسه محمد شعبان عزوز، مؤكدًا أن عمال سوريا الوطنيين الشرفاء قدموا التضحيات الكبيرة "وهم يواصلون عملهم على خطوط الانتاج لتأمين استمرار العملية الانتاجية وتقديم مختلف الخدمات في مجالات الكهرباء والمياه والاتصالات والطرق والنقل وغيرها". مهما قيل عما قدمته الطبقة العامله السورية من تضحيات خلال ثماني سنوات لا يمكن أن يعبر عن حقيقة معاناتها، بما في ذلك قضايا الترحيل والتهجير واللجوء وغيرها من تبعات العدوان الهمجي على وطنها سوريا.
الخروج من حطام الحرب وإعادة النشاط النقابي بهمة عالية – تأسيس متحف الحركة النقابية.
بعد تحقيق النصر على قوى العدوان والظلام ومن يدعمها، باشرت الحركة النقابية السورية باسترداد عافيتها التنظيمية وتجديد مقراتها وعقد الجلسات المنتظمة لهيئاتها وانتخاب ممثليها وقيادتها، وذلك للتأكيد على مواصلة طريقها النضالي، وفي الدورة الثامنة لاتحاد عمال سورية المنعقدة نهاية شهر نيسان ٢٠١٧م، تم الاعلان عن حدث تاريخي هام يشد عضد الحركة النقابية السورية، وهو إفتتاح "متحف الحركة النقابية السورية" جرى من خلاله توثيق تاريخ هذه الحركة، في جناح خاص ببناية الاتحاد العام بدمشق بمنطقة ابو رمانة، ويضم المتحف وثائق ومواد تؤرخ مسار نشوء هذه الحركة منذ المؤتمر التأسيسي في آذار ١٩٣٨م وحتى الدورة ٢٦ في العام ٢٠١٥م، كما يشمل المتحف وثائق فيها توثيق الدور السوري في تأسيس الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، ودوره في الاتحاد النقابي العالمي الذي كان مقره مدينة براغ، وتاريخ الحركة العمالية النسائية ودور المرأة العاملة.
الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب عودة الى سوريا.
بعد غياب قسري عن مقره الام في سوريا، عقد في مبنى الاتحاد العام لنقابات العمال بدمشق لقاء تشاوري لرؤساء اتحادات العمال العرب، والاجتماع السنوي للأمناء العامين للإتحادات المهنية العربية تحت عنوان "دور الاتحادات المهنية العربية في اعمار سورية" وبحث الاجتماع الذي عقد في يوم الجمعة ١١ كانون الثاني ٢٠١٩م، قال الامين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب النقابي غسان غصن في كلمة الافتتاح: "نلتقي اليوم في دمشق مطهرة من رجس الارهاب وأنتم في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب لم تغادروها يومًا لا بل كنتم دائمًا في مواجهة قوى الشر ولم تتنكروا لها يومًا يوم أنكرها الجاحدون ولم تغدروا بها يومًا يوم طمع بها المتآمرون. كيف لا وأنتم في اتحاد العمال العرب تنبض قلوبكم بنبضة القومية والعروبة." وتطرق الى ما عانت منه سوريا وشعبها من "أعتى" حرب "جند لها رعاع الارض بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وتمويل الرجعية العربية لتنظيمات إرهابية ".
هذا وتم التأكيد في الاجتماع على ضرورة التكاتف والوحدة وأن تقوم الاتحادات العمالية العربية وأعضاءها بدور هام في إعادة بناء ما دمرته الحرب العدوانية.
أما النقابي جمال القادري رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية وبعد الترحيب بالمشاركين طرح ما واجهته سوريا من عدوان على مدار الثماني سنوات وقال : كانت الحرب على سورية، لأن سورية كانت بقيادتها وشعبها صخرة صماء وعقبة كأداء في وجه مشروع لئيم رسم لعالمنا العربي وخطط له بليل أسود من قبل أعدائنا ولأن سورية منعت تصفية القضية الفلسطينية..."
وتطرق بالتفصل للعديد من المؤامرات التي حيكت ضد الشعوب العربية وتحويل اسرائيل الى شرطي للمنطقة لتنهب خيراتها لصالح القوى الامبريالية في العالم.
وأضاف القادري:" إن المهمة المطلوبة منّا نحن العمال العرب والقيادات النقابية، استنهاض الوعي لتحصين شعوبنا كي لا تنساق وراء مخططات جهنمية ليست لمصلحة الشعوب وإنما لمصالح وأجندات غربية". وأضاف مناشدًا:" الى عدم الثقة بأن أمريكا وأوروبا تحملان همّنا أو أنّ قطر والسعودية ستعلماننا الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، هذا العُهر السياسي الحاصل في العلاقات الدولية حيث تقوم الدول الغربية بدعم أنظمة لا تعرف معنى صندوق الانتخاب وتتصدى لتعلمنا أصول الديمقراطية والانتخاب وهذا الامر من مهازل العصر ونكد الدهر".
وأكد أن "ورشة الاعمار انطلقت في سورية، داعيًا الاخوة العرب المشاركة، باستثناء الذين انخرطوا في المخطط اللئيم والمشبوه على سورية".
في النهاية لا بد من التعبير عن التقدير والاجلال للحركة النقابية السورية وقيادتها وللطبقة العاملة السورية، التي تكبدت الخسائر الفادحة جراء العدوان الارهابي على وطنها، واستطاعت الحفاظ على دورها النضالي في صد هذه الحرب الهمجية بالقيام بدورها بمواصلة العمل والانتاج في ظل ظروف صعبة وتحت القصف والهجوم على أماكن العمل، نعم ثماني سنوات من العدوان قامت به قوى الظلام والامبريالية والصهيونية، ولم تستطع كسر شوكة هذا الشعب ولا كسر الشوكة النضالية لطبقته العاملة ولحركته النقابية، وهذا ما شعر به القادة النقابيون العرب. خلال اجتماعهم فقد عبر الجميع عن استعدادهم لوضع كافة خبراتهم وإمكانياتهم للمساهمة في إعمار سورية.
إضافة تعقيب