news-details

صالح/سالح، سمير، سامي/ أمور شخصيّة| نمر نمر

كي لا أثقل على القرّاء، أقولها مباشرة، هذا هو الاسم الثّلاثي للكاتب الرّاحل سامي ميخائيل: 1926 -2024، الذي قدّم نفسه للقراء: أنا يهودي عربي! شأنه بهذا كشأن الكثيرين من زملائه المثقّفين المهذّبين القادمين من بلاد الرّافدين، شربوا من دجلة والفرات، وتثقّفوا هناك أدبيّاً وحضاريّاً واجتماعيّاً، ولم يبصقوا في أنهار واطباق بغداد سِتّ البلاد والبصرة خَلَّت بقليبي حسرة! وغنّوا مع فريد الأطرش في بساط ريحه:

نْروح يا بساط على بغداد/ بلاد خيرات يلاد أمجاد/ نِحنا هنا بالسّيف نحمي أرضنا/ وفي نهار الحيف نحمي عرضنا/ أمّا الكرم للضيف مخلوق في أرضنا/ والعزّ في الإثنين السّيف والكرم/ آه يا زمن آه يا زمن/ يا دجلة أنا عطشان ما قْدَر أرتوي/ مِن حُسنك الفتّان هذا الكسروي.../

 كان البعض ينشدون هناك واهمين: على أنهار بابل هناك جلسنا وبكينا حين تذكّرنا صهيون، طالبين العودة إلى بلاد السّمن والعسل، وبالتّآمر ما بين بن غوريون ونوري السّعيد وشاه إيران، ودَبّ الذّعر والهلع والخوف في نفوس اليهود، في أحداث الفرهود هناك، تمّ التّرحيل الجماعي، تحت شعار: عمليّة عزرا ونحميا! وتنفيذ شلومو هيلل ومردخاي بن بورات، رُمِيَ القادمون الجدد في المعابر تاركين النّعيم إلى الجحيم وأخذوا ينشدون: على أنهار إسرائيل هنا جلسنا وبكينا وتذكّرنا بلاد الرّافدَين.

تعرّفنا على صالح، سمير مارد، سامي ميخائيل من خلال كتاباته بالّلغتَين الشّقيقَتَين وفي ندوات أدبيّة في حيفا والجليل، وصارت معرفة شخصيّة وصداقة وخبز وملح بين الأسْرَتَين، ومع أُسَر عراقيّة، سوريّة، مصريّة ومغربيّة: لطيف دوري، سليم وجاكلين شعشوع، ساسون سوميخ، سعيد(ران) كوهين، إيلي عمير/ اسمه العراقي الكامل: نوري فؤاد إلياس ناصح بن سليم خلاصجي (الذّهب الخالص)، شمعون بلاص، شموئيل موريه، نير شوحيط،   توفيق وأمنون شموش، عادة وحاييم أهروني إيرز بيطون، وغيرهم، معارفنا ليسوا من الشّرقيّين وحسب، بل من اليهود الغربيّين كذلك وهم كُثر والحمد لله. وهؤلاء (محلوب في عينيهم، وْلاد أصول).

في عام1994، أقمنا ندوة أدبيّة عبريّة عربيّة مشتركة في حرفيش، شارك بها: عادة أهروني، موفّق خوري، سميح القاسم، نزيه خير، الكاتب المسرحي المصري: علي سالم/ كاتب مسرحيّة مدرسة المشاغبين، يهوديت زلبرشطاين وكاتب هذه السّطور، وكان الحوار أدبيّاً، اجتماعيّاً، مع التّأكيد على الأخوّة والتّعايش إلى جانب قراءات شعريّة، واستضفتهم في بيتي بعد الأمسية، وقدّمتْ قرينتي سميحة ما تيسّر من زادنا العربي الأصيل، ودام الحوار الأدبي بروح التّفاؤل، نحو غد مشرق على الجميع.

في أكتوبر 2004 استضفتُ المُبْدِعَين: سامي ميخائيل وسميح القاسم لِأرافقهما لأمسية أدبية في بلدة: كفار فرديم في أسبوع عيد العُرش، وأجريتُ بينهما حواراً مطوّلا عن الأدب والسياسة والتّعايش معاَ، وبحضور جمهور كبير من اليهود والعرب، ومما قاله سامي:

لو كنتُ عربيّاً في هذه الدّيار لَكُنْتُ أكثر تطرّفاً منهم، من جرّاء المعاملة القاسية والتّمييز الصّارخ بحقّهم في المجالات المختلفة، وأضاف: أنا عاكف على كتابة رواية جديدة، تُعتبر تتمّة لرواية الكاتب الفلسطيني العكّاوي: طيّب الذِّكْر: غسّان كنفاني" عائد إلى حيفا"، وأبطال روايتي من اليهود والعرب اللذين يؤمنون بحتميّة التّعايش المشترك، وعلى قدم المساواة، دون تمييز.

زميله سميح القاسم، تحدّث عن مسيرته الشّعريّة وترجمة بعض قصائده للغات عديدة، ومنها العبريّة كذلك، جاء في إحداها: وعندما أُقْتَلُ في يوم من الأيّام/ سيعثر القاتل في جَيبي/ على تذاكر السّفر/ واحدة إلى السّلام/ واحدة إلى الحقول والمطر/ واحدة إلى ضمائر البشر/  أرجوك ألاّ تُهملَ التّذاكر/ يا قاتلي العزيز/ أرجوك أن تسافر( الاتّحاد 5 /10 /2004 )

* تبادلتُ وسامي إصداراتنا الأدبيّة والرّسائلَ كذلك، في إحدى رسائل سامي إلَيَّ 10/3 /1996 قال: إلى صديقي الكاتب نمر نمر! أنتَ دائماً تُفاجئني من جديد، بعد انتهائي من مطالعة كتابك: طبق مشكّل عربي، استمتعتُ جدّاً، لا أعرف إذا سبقك أحدهم في تقديم بطاقة تعارف بالعبريّة، كما فعلتَ أنت عن الحضارة العربيّة، أنا المُطَّلِعُ على الحضارتّين، أُحَيّيكَ مُعْجَباً من إبداعك الجديد، بوركْتَ، حبّذا لو كَثُرَ أمثالُكَ...

*حين نقول سامي، نتذكّر رأساً زملاءَه في الاتّحاد والجديد: ألإميلَين، ألتّوفيقَين ، جورج طوبي، سميح القاسم ومحمود درويش، سالم جبران وعلي عاشور، نايف سليم وعصام العبّاسي، محمد نفّاع ومحمد علي طه، نبيه القاسم وجمال قعوار، والقائمة طويلة إلى ما لا نهاية.

 كم نفتقر في ديارنا إلى هذه الأنغام الشّجيّة وسعة الاطّلاع والأفاق في الأوقات العصيبة التي نَمُرّ بها، وكلّنا يُصلّي ليل نهار للسلام المنشود في شرقنا المحبوب، طبقاً لنبوءات الّديانات السّماوية الثلاث: اليهوديّة، المسيحيّة والإسلام معاً.

*في تقديم التّعازي لزوجته (راحل /روحة) في بيته، بمعيّة الكاتبَين: أمين خير الدّين/حرفيش وعصام عرّاف/ معليا، قلنا بالعبريّة تحت عنوان: إبداعات مُبدِع:

متساوون ومتساوون أكثر، شياطينُ حُمرٌ/مُتوالي/

بوق في الوادي، حماية/ طوّالي/

عاصفة بين النّخيل/ تمراوي/

برّاكيّات وأحلام، فيكتوريا/ راسمالي/

حمام في الطّرف الأغرّ، العودة إلى حيفا/ كنفاني/

حفنة ضباب، الكَنَف الثّالث/ من شاني/

مياه تعانق بعضها/ صفا لي/

مطار البطّ، جوهرة من البيداء/ لا أبالي/

حروف تجري إلى البحر، نقطة نُقَيْطة/ علالي/

صرصور يشدو أيضاً في الشّتاء، كوكب مجهول/ سماوي/

شياطين في القّبْو، توْم، هو/ في الليالي/

ثلاثيّة نجيب محفوظ، زقاق المِدَق، كمال، الجيل الثّالث/ تسالي/

هؤلاء أسباط إسرائيل، حدود الرّيح، المغامرة الاسرائيليّة/ارتجالي/

(راحل، أمير، دِكْلة، نادية والأحفاد/

 سامي! هذه ليست قصيدة، ولا مقطوعة، ولا غنوة ، بل مجموعاته/ رحمة لسامي)

دعونا نؤكّد للقاصي والدّاني، دائماً وأبداً، ومع طيّب الذِّكر وديع الصّافي:

للضيف مفتوحة منازلنا/ وْعالكون مضويّة مشاعلنا

وعيونّا للحُب سهرانين/ وبيوتنا إلنا وْمِش إلنا.

ومَن يقلق وييأس، فليستمع إلى أغنية: دَبْكة رفح/ دِبكات رَفيَح، للشاعر العبري عمانوئيل زمير، السّبْت الأسود 29 /6 /1946 ، لحن بدويّ شعبي مُطَوَّر، غناء المغنّية العبريّة المشهورة: يهوديت رافتس وآخرين، جاء فيها:

يَوْمي لي وليلي لي/ صباحي لي ومسائي لي/مال اليوم نحو البحر/ والليل قد فرش رهبة الظّلام/ لِيَ نور حتى النّور/حتى الشّمس تُنير لي/ الشّمس تنير لي.

 وعودة إلى: حتّى يجيء الرّبيع، للشاعر العبري: دافيد صيمح، وإن شئتم: الربيع لفريد الأطرش: تعالَ سَلِّم وانا..... ومع الفنّان العبري: حاييم طوبول: صالح/سالِح شباتي، سالِح هنا أرض إسرائيل/سالح بو زي إيرتس يسرائيل!

 

 

في الصورة: من اليمين إلى اليسار: عادة أهروني، موفّق خوري، سميح القاسم، نزيه خير، علي سالم/مصر، سامي ميخائيل، يهوديت زلبرشطاين ونمر نمر، حرفيش، 1994 ، لقاء أدبي.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب